الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ
الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْخَطَإِ عَلَيْهِ فِي اجْتِهَادِهِ، فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَابِلَةُ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْجُبَّائِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَى جَوَازِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُقَرَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَدَلِيلُهُ الْمَنْقُولُ وَالْمَعْقُولُ.
أَمَّا الْمَنْقُولُ: فَمِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى خَطَئِهِ فِي إِذْنِهِ لَهُمْ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُفَادَاةِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (?) حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَذَابٌ لَمَا نَجَا مِنْهُ إِلَّا عُمَرُ» " (?) لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَشَارَ بِقَتْلِهِمْ وَنَهَى عَنِ الْمُفَادَاةِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى خَطَئِهِ فِي الْمُفَادَاةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (?) أَثْبَتَ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَقَدْ جَازَ الْخَطَأُ عَلَى غَيْرِهِ فَكَانَ جَائِزًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَا جَازَ عَلَى أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ يَكُونُ جَائِزًا عَلَى الْآخَرِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّمَا أَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَإِنَّكُمْ لَتَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ