فِي جِهَةٍ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ مَا لَيْسَ فِي جِهَةٍ لَا يَكُونُ مَرْئِيًّا (?) يُقَابِلُ قَوْلَ الْقَائِلِ: كُلُّ مَوْجُودٍ مَرْئِيٌّ، وَدَلِيلُهَا مُضْمَرٌ فِيهَا وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ انْتِفَاءَ الْجِهَةِ مَانِعٌ مِنَ الرُّؤْيَةِ.

وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنِ الدَّلِيلُ مُضْمَرًا فِيهَا، فَكَمَا لَوْ قَالَ الْقَائِلُ فِي مَسْأَلَةِ إِفْضَاءِ النَّظَرِ إِلَى الْعِلْمِ أَوْ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ مَثَلًا، أَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ النَّظَرَ إِلَى الْعِلْمِ وَأَنَّ الْكُفْرَ قَبِيحٌ لِعَيْنِهِ وَالشُّكْرَ حَسَنٌ لِعَيْنِهِ.

فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: أَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ النَّظَرَ لَا يُفْضِي إِلَى الْعِلْمِ وَأَنَّ الْكُفْرَ لَيْسَ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ وَلَا الشُّكْرَ لِعَيْنِهِ.

وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مُقَابَلَةِ الْفَاسِدِ بِالْفَاسِدِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ اسْتِنْطَاقُ الْمُدَّعِي بِاسْتِحَالَةِ دَعْوَى الضَّرُورَةِ مِنْ خَصْمِهِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ، فَيُقَالُ وَهَذَا لَازِمٌ لَكَ أَيْضًا.

وَقَدْ أَوْرَدَ الْجَدَلِيُّونَ فِي هَذَا الْبَابِ قَلْبَ الِاسْتِبْعَادِ فِي الدَّعْوَى، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ إِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ الْمُدَّعِيَيْنِ: تَحْكِيمُ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ تَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ. فَقَالَ الْحَنَفِيُّ: وَتَحْكِيمُ الْقَائِفِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا تَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015