به عز وجل عن نفسه ولا أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا هو قولنا إن المراعى هو النص لا ما عداه أصلا وبالله تعالى التوفيق وقد قال بعض أصحابنا إن إرادة الشيطان إيقاع العداوة والبغضاء بيننا في الخمر إنما كان بعد تحريمها لأن شاربها بعد التحريم صاد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة مبغض من الصالحين ومعاد لهم قال أبو محمد وهذا أيضا قد اقتضاه الذي ذكرناه وزاد عليه وبالله تعالى نتأيد وقد أدى تعليلهم هذا الفاسد المفترى جماعة من الجهال إلى الضلال المبين فإذا رأوا سكرانا معربدا متلوثا في أقذاره وأهذاره جعلوا يقولون في مثل هؤلاء حرمت الخمر نعوذ بالله من هذا القول ومما سببه من التعليل الملعون واحتجوا بقوله تعالى {فبظلم من لذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم
وبصدهم عن سبيل لله كثيرا} قال أبو محمد وهذه حجة عليهم لا لهم لأننا نحن نظلم من بكرة إلى المساء ولم يحرم علينا طيبات أحلت لنا فصح أن الظلم ليس علة في تحريم الطيبات ولا سببا له إلا حيث جعله الله تعالى بالنص سببا له فقط لا فيما عدا ذلك المكان البتة
واحتجوا بقوله تعالى {وما جعلنآ أصحاب لنار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن لذين أوتوا لكتاب ويزداد لذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب لذين أوتوا لكتاب ولمؤمنون وليقول لذين في قلوبهم مرض ولكافرون ماذآ أراد لله بهذا مثلا كذلك يضل لله من يشآء ويهدي من يشآء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر} قال أبو محمد وهذا عليهم لأن الحكم المذكور لم يوجب استيقان جميع أهل الكتاب بل فيهم غير مستيقن وفيهم من تمادى على شكه وإفكه وشركه ولو كان علة لاستيقانهم لما وجد فيهم أحد غير مستيقن فبطل ظنهم والحمد لله رب العالمين واحتجوا بقوله تعالى لموسى عليه السلام {إني أنا ربك فخلع نعليك إنك بلواد لمقدس طوى} قال أبو محمد وهذا حجة عليهم لأن الكون بالواد المقدس طوى لو كان علة لخلع النعال أو سببا له لوجب علينا خلع نعالنا بالوادي المقدس وبالحرم وبطوى فلما لم يلزم ذلك بلا خوف صح قولنا إن الشيء إذا جعله الله سببا لحكم ما في مكان ما فلا يكون سببا إلا فيه وحده لا في غيره فهذا كل ما راموا تبديله من وجهه من آيات القرآن وقد أريناهم بعون الله تعالى أنه كله حجة عليهم مبطل لقولهم بالتعليل الموجب عندهم للقياس والحمد لله رب العالمين