من عند أنفسنا أو برأينا أو بغير ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم وأيضا فالميسر ما عهد منه قبل أن يحرم إيقاع عداوة بذاته ولا فقد عقل ولا كان إلا وافقا للناس ونافعا لهم وكذلك قليل الخمر ليس فيه مما ذكر في الآية ولا في كل من يشربها تفسد أخلاقهم بل نجد كثيرا من الناس يبكون إذا سكروا ويكثرون ذكر الآخرة والموت والإشفاق من جهنم وتعظيم الله تعالى والدعاء في التوبة والمغفرة ونجدهم يكرمون حينئذ ويحلمون ويزول عنهم كثير من سفههم وتؤمن غوائلهم
فصح بكل ما ذكرنا أن الله تعالى لم يجعل إرادة الشيطان لما ذكر تعالى في الآية سببا إلى تحريمها قط لكن شاء تعالى أن يحرمها إذ حرمها وقد كانت حلالا مدة ستة عشرة عاما في الإسلام وقد كان كل ذلك موجودا من الشيطان فينا وفي كثير الخمر وهي حلال يشربها الصالحون بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكر ذلك فلو كان ما وصفها الله تعالى به من الصد عن الصلاة وعن ذكر الله تعالى وإيقاع الشيطان العداوة والبغضاء بها علة للتحريم لما وجدت قط إلا محرمة لأنها لم تكن قط إلا مسكرة ولم يكن الشيطان قط إلا مريدا لإلقاء العداوة والبغضاء بيننا فيها وكانت حلالا وهي بهذه الصفة فبطل أن يكون إسكارها علة لتحريمها أو سبب لا في الوقت الذي نص الله عز وجل على تحريمها فيه ولا قبله البتة لأن قوله عز وجل {إنما يريد لشيطان أن يوقع بينكم لعداوة ولبغضآء في لخمر ولميسر ويصدكم عن ذكر لله وعن لصلاة فهل أنتم منتهون} إنما هو إخبار عن سوء معتقد الشيطان فينا ولم يقل قط تعالى إن إرادة الشيطان لذلك هو علة تحريمها ولا أنه سبب تحريمها ولا يحل لأحد أن يخبر عن الله تعالى بما لم يخبر