المبحث الخامس والثلاثون
الثورة العربية وسحر الأنظمة الملكية
ذكرت في المقال السابق (الثورة العربية والشعار المبارك) الأسباب الظاهرة للنصر الذي تحقق للشعوب العربية التي رفعت شعار (الشعب يريد إسقاط النظام)،بخلاف من رفعوا شعار (الشعب يريد إصلاح النظام)،حيث لم يتحقق لهم حتى الحد الأدنى مما أرادوا، بل لم تزدد حكوماتهم إلا طغيانا وظلما!
وسأحاول في هذا المقال بيان الأسباب غير الظاهرة التي تحول دون رفع هذا الشعار المبارك في كثير من الدول العربية التي شهدت ثورة أو إرهاصات ثورة، وأكثرها دول ملكية وراثية وهي دول الخليج العربي والأردن والمغرب، مع أنها كلها تقريبا شهدت حركات احتجاج شعبي إلا إنه لم ينتظم فيها عامة الشعب، ولم ترفع شعار (الشعب يريد إسقاط النظام)،مع أن الظلم والفساد، والفقر والاستبداد، والطغيان وانتهاك حقوق الإنسان، أشد في بعضها من الدول التي نجحت فيها الثورة!
بل إن أشد المعارضين في الأنظمة الوراثية لا يستطيع أن يتصور إمكانية وجود الدولة دون وجود الملك وأسرته! ولا يتصور إمكانية التغيير والإصلاح دون إرادتهم السامية!
ويصل الأمر لدى الشعوب في الملكيات والأنظمة الوراثيةحدالخوف غير الطبيعي من زوال الملك والنظام الوراثي، فهو بالنسبة لهم محور وحدتهم وأمنهم، وسبب استقرار أوضاعهم، فهم يعيشون في ظل ملكهم أو أميرهم آمنين مهما كان طاغيا، وادعين مهما كان مفزعا، ومن دونهم تضطرب الحياة، وتدب الفوضى في المجتمع!
أي أنهم يؤلهونهم من حيث لا يشعرون، ويتعلقون بهم تعلق العبيد بأربابهم من حيث لا يعون، ويتخذونهم أندادا يرهبونهم ويرغبونهم ويخشونهم ويتزلفون إليهم، ويصرفون لهم كل معاني العبودية من حيث لا يتصورون أن هذا هو الشرك الذي ندد القرآن به، وهذه هي الوثنية البشرية التي حاربها الإسلام، كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106]!