فلما ظلم الطغاة شعوبهم، وداهنتهم شعوبهم على طغيانهم، ورضيت ببقائهم، واعترفت باستحقاقهم للطاعة والحكم، كان الجزاء العدل أن يولي الله بعضهم بعضا في الدنيا والآخرة، فيشقى بعضهم ببعض في الدارين!
الفرق الثالث: أن بالكلمة الأولى والشعار المبارك يتحقق التمايز بين الحق والباطل، فالطاغوت ونظامه واستبداده وطغيانه كل ذلك باطل، والدعوة إلى إسقاطه وإبطال جوره وظلمه عدل وحق، فإذا تصدى الحق للباطل، وقام أهل الحق بنصرته، وتصدوا للباطل وحزبه، ظهر الحق وزهق الباطل، كما قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]!
وهذا بخلاف حال أصحاب الكلمة الثانية، فإنهم يخلطون حقهم في الدعوة للإصلاح بالباطل بإقرار نظام الطاغوت، والاعتراف بشرعيته، فلا يتحقق التمايز بين الحق والباطل، ولا بين أهل الحق وأهل الباطل، فلا يظهر الحق ولا يزهق الباطل!
فكان أصحاب الكلمة الأولى والشعار المبارك أحق بالنصر والظهور وفق سنن الله الاجتماعية التي لا تتخلف أبدا، ولا تحابي أحدا!
الفرق الرابع: أن أصحاب الكلمة الأولى أخذوا بسنن التغيير التي وعد الله بها: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد:11]!
بخلاف أصحاب الكلمة الثانية فإنهم يريدون الإصلاح دون حدوث التغيير، فلا يتحقق التغيير مع بقاء الطاغوت ونظامه وحكمه، ومع بقاء الملأ المترفين على ما هم عليهم من ترف وبطر، بل يصدق فيهم قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء:16]!
الفرق الخامس: أن من يرفعون الشعار الأول (الشعب يريد إسقاط النظام)،أخذوا بأهم أسباب الظفر، وهو الانتصار ممن بغى عليهم، كما قال تعالى في صفات أهل الإيمان {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ