فَأَنْفِقْ فِي سَنَتَيْنِ وَبَعْضِ أُخْرَى ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ. فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ: قَدْ كُنْتُ قُلْتُ لِعُمَرَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا يَسَعَنِي أَنْ آكُلَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا، فَغَلَبَنِي فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَخُذُوا مِنْ مَالِي ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَرُدُّوهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ: فَلَمَّا أُتِيَ بِهَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: " رَحِمَ اللهُ أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ تَعَبًا شَدِيدًا " (?)
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَرَسِيِّ، مِنْ حَرَسِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: دَخَلَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَجِيرُ» فَقَالَ النَّاسُ: مَهْ، الْأَمِيرُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ، ثُمَّ قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَجِيرُ» فَقَالَ النَّاسُ: الْأَمِيرُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: دَعُوا أَبَا مُسْلِمٍ فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ، فَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: «إِنَّمَا مَثَلُكَ مَثَلُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَوَلَّاهُ مَاشِيَتَهُ وَجَعَلَ لَهُ الْأَجْرَ عَلَى أَنْ يُحْسِنَ الرِّعْيَةَ، وَيُوَفِّرَ جِزَازَهَا وَأَلْبَانَهَا، فَإِنْ هُوَ أَحْسَنَ رِعْيَتَهَا وَوَفَّرَ جِزَازَهَا حَتَّى تَلْحَقَ الصَّغِيرَةُ وَتَسْمَنَ الْعَجْفَاءُ أَعْطَاهُ أَجْرَهُ وَزَادَهُ زِيَادَةً، وَإِنْ هُوَ لَمْ يُحْسِنْ رِعْيَتَهَا وَأَضَاعَهَا حَتَّى تَهْلَكَ الْعَجْفَاءُ وَتَعْجَفَ السَّمِينَةُ وَلَمْ يُوَفِّرْ جِزَازَهَا وَأَلْبَانَهَا غَضِبَ عَلَيْهِ فَعَاقَبَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ الْأَجْرَ» فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ" (?)
وعن شَبِيبَ بْنِ شَيْبَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمَهْدِي، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا مَعْمَرٍ حَدَّثْنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، فَوَاللهِ لَرَأَيْتُهُ يَوْمَاً، وَدَخَلَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَعَطَاكَ الدُّنْيَا بِكَمَالِهَا، فَاشْتَرِ نَفْسَكَ مِنْهُ بِبَعْضِهَا، وَاعْلَمْ أَنَّكَ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَسَائِلُكَ عَنْ مَثَاقِيلِ الذَّرِّ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَإِنَّهُ لا يَرْضَى مِنْكَ إِلا بِمَا لا تَرْضَى لِنَفْسِكَ إِلا بِهِ، وَأَنْتَ لا تَرْضَى إِلا بِأَنْ يَعْدِلَ عَلَيْكَ، وَاللهُ تَعَالَى لا يَرْضَى إِلا بِالْعَدْلِ عَلَى الرَّعِيَّةِ، يَا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ إِنَّ وَرَاءَ بَابِكَ نَارَاً، تَأَجَّجُ مِنَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ، وَاللهِ مَا يُعْمَلُ خَلْفَ بَابِكَ بِكِتَابِ اللهِ وَلا سِنَّةِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -،قَالَ: فَبَكَى أبُو جَعْفَرٍ بُكَاءً شَدِيدَاً، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُجَالِدٍ: اكْفُفْ عَنْ أَمِيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِينَ مَيِّتٌ غَدَاً، وَكُلُّ مَا تَرَى هَاهُنَا أَمْرٌ مُفْظِعٍ، وَأَنْتَ جِيفَةٌ بِالْعَرَاءِ، فَلا يُغْنِي عَنْكَ إِلا عَمَلُكَ، وَلَهَذَا الْجِدَارُ خَيْرٌ لأَمِيْرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْكَ إِذَا طَوَيْتَ عَنْهُ النَّصِيحَةَ، وَأَفَقْتَ مِنَ الْفَضِيحَةِ، ثُمَّ قَالَ: يَا