إن حرية الاعتقاد هي أول حقوق «الإنسان» التي يثبت له بها وصف «إنسان». فالذي يسلب إنسانا حرية الاعتقاد، إنما يسلبه إنسانيته ابتداء .. ومع حرية الاعتقاد حرية الدعوة للعقيدة، والأمن من الأذى والفتنة .. وإلا فهي حرية بالاسم لا مدلول لها في واقع الحياة.
والإسلام - وهو أرقى تصور للوجود وللحياة، وأقوم منهج للمجتمع الإنساني بلا مراء - هو الذي ينادي بأن لا إكراه في الدين وهو الذي يبين لأصحابه قبل سواهم أنهم ممنوعون من إكراه الناس على هذا الدين .. فكيف بالمذاهب والنظم الأرضية القاصرة المعتسفة وهي تفرض فرضا بسلطان الدولة ولا يسمح لمن يخالفها بالحياة؟! والتعبير هنا يرد في صورة النفي المطلق: «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ» .. نفي الجنس كما يقول النحويون .. أي نفي جنس الإكراه. نفي كونه ابتداء. فهو يستبعده من عالم الوجود والوقوع. وليس مجرد نهي عن مزاولته. والنهي في صورة النفي - والنفي للجنس - أعمق إيقاعا وآكد دلالة.
ولا يزيد السياق على أن يلمس الضمير البشري لمسة توقظه، وتشوقه إلى الهدى، وتهديه إلى الطريق وتبين حقيقة الإيمان التي أعلن أنها أصبحت واضحة وهو يقول: «قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» ..
فالإيمان هو الرشد الذي ينبغي للإنسان أن يتوخاه ويحرص عليه. والكفر هو الغي الذي ينبغي للإنسان أن ينفر منه ويتقي أن يوصم به.
والأمر كذلك فعلا. فما يتدبر الإنسان نعمة الإيمان، وما تمنحه للإدراك البشري من تصور ناصع واضح،،وما تمنحه للقلب البشري من طمأنينة وسلام، وما تثيره في النفس البشرية من اهتمامات رفيعة ومشاعر نظيفة، وما تحققه في المجتمع الإنساني من نظام سليم قويم دافع إلى تنمية الحياة وترقية الحياة .. ما يتدبر الإنسان نعمة الإيمان على هذا النحو حتى يجد فيها الرشد الذي لا يرفضه إلا سفيه، يترك الرشد إلى الغي، ويدع الهدى إلى الضلال، ويؤثر التخبط والقلق والهبوط والضآلة على الطمأنينة والسلام والرفعة والاستعلاء! (?)
ويقول الشيخ الغزالي:"إن الإكراه لا يكون في العقائد، إنه على العكس ينفر منها ويسىء بها الظنون، وطبائع الأشياء ترسم للعقائد طريقا يبدأ حتماً من الحرية العقلية المطلقة.