بِالْهِجْرَةِ تَعَيَّنَتْ، وَلَا يَحِلُّ سَبُّهُمْ عُمُومًا وَرَمْيُهُمْ بِالنِّفَاقِ، بَلْ السَّبُّ وَالرَّمْيُ بِالنِّفَاقِ يَقَعُ عَلَى الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَيَدْخُلُ فِيهَا بَعْضُ أَهْلِ مَارِدِينَ وَغَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا كَوْنُهَا دَارَ حَرْبٍ أَوْ سِلْمٍ فَهِيَ مُرَكَّبَةٌ فِيهَا الْمَعْنَيَانِ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ دَارِ السِّلْمِ الَّتِي يَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، لِكَوْنِ جُنْدِهَا مُسْلِمِينَ، وَلَا بِمَنْزِلَةِ دَارِ الْحَرْبِ الَّتِي أَهْلُهَا كُفَّارٌ، بَلْ هِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ يُعَامَلُ الْمُسْلِمُ فِيهَا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ وَيُقَاتَلُ الْخَارِجُ عَنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ." (?)
وقال أيضاً: وَكَوْنُ الْبُقْعَةِ ثَغْرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرَ ثَغْرٍ هُوَ مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ لَهَا لَا اللَّازِمَةِ لَهَا؛ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهَا دَارَ إسْلَامٍ أَوْ دَارَ كُفْرٍ أَوْ دَارَ حَرْبٍ أَوْ دَارَ سِلْمٍ أَوْ دَارَ عِلْمٍ وَإِيمَانٍ أَوْ دَارَ جَهْلٍ وَنِفَاقٍ. فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سُكَّانِهَا وَصِفَاتِهِمْ" (?)
فلم يحكم لها بأنها دار إسلام وسلم مع كون أهلها مسلمين، لأنه لا تجري فيها أحكام الإسلام، التي تقام عادة في الأرض التي جندها مسلمون والشوكة والظهور والكلمة فيها للمسلمين، وكذلك لم يحكم لها بأنها دار حرب من كل وجه، لكون أهلها مسلمين، وجعلها قسما ثالثا فيها شبه من دار الإسلام فيما يخص أهلها المسلمين، كعصمة دمائهم وأموالهم، وفيها شبه بدار الحرب من جهة جواز غزوها وفتحها، وتقسيم أرضها، أو وقفها على المسلمين.
والمقصود أن شيخ الإسلام - وإن خالف أكثر الفقهاء في هذا الرأي - فقد وافقهم في أنها ليست دار إسلام، بل هي نوع آخر له حكم خاص.
فالحاكم والحال هذه محكوم بردته وكفره بالإجماع القطعي، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51].