وقال محمد بن الحسن:" إنَّ دَارَ الشِّرْكِ إنَّمَا تَصِيرُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِإِجْرَاءِ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا، وَأَهْلُ الشِّرْكِ إنَّمَا يَصِيرُونَ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِإِجْرَاءِ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ عَجَزَ الْأَمِيرُ عَنْ إجْرَاءِ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، فَكَانُوا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُوَادِعِينَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَهْلُ الْحَرْبِ مَتَى طَلَبُوا مُوَادَعَتَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مُوَادَعَتُهُمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ ظَاهِرًا، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَا يَجِبُ قَبُولُ هَذِهِ الذِّمَّةِ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمُوا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ مِنْ الْإِمَامِ، فَإِذَا أَسْلَمُوا صَارُوا مُسْلِمِينَ، فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ الْأَمِيرُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ يَخْلُفُ فِيهِمْ رَجُلًا يُجْرِي فِيهِمْ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ، إنْ قَدَرُوا وَإِلَّا يَتْرُكُهُمْ عَلَى ذَلِكَ " (?)
أي بتنفيذ أحكام الشريعة عليهم لكون الشوكة والكلمة للمسلمين.
وقد كانت الدور في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أقسام:
القسم الأول: دار الكفر والحرب؛ وهي مكة التي أوجب الله الهجرة منها مع كونها بيت الله الحرام، ومع وجود النبي - صلى الله عليه وسلم - وخيرة أصحابه فيها، وذلك أن الشوكة والكلمة والسلطان فيها للمشركين الذين يحاربون الله ورسوله والمؤمنين.
القسم الثاني: دار كفر وسلم؛ كالحبشة، وهي التي تكون الشوكة فيها للكفار، غير أن المؤمنين فيها يأمنون على أنفسهم، ودينهم، وأعراضهم، فالهجرة إليها جائزة، ومع أن النجاشي وهو ملك الحبشة قد أسلم سرا، وصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الغائب - كما ثبت في الصحيح عن جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ تُوُفِّيَ اليَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الحَبَشِ، فَهَلُمَّ، فَصَلُّوا عَلَيْهِ»،قَالَ: فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَعَهُ صُفُوفٌ و «كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي» (?)