إلا بمثل ذلك، لحماية الدولة من الحروب والفتن، وتحقيق الاستقرار، وهذا أصل من أصول السياسة الشرعية.
وكذا ما دون ذلك من المناصب خاصة التي في مدن غير المسلمين وقراهم، كالمحافظات والبلديات والوظائف فيها، فلهم الحق بتوليها، وقد عقد النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد الذمة ليوحنا بن رؤبة وهو أمير أيلة، وكانوا نصارى، وتركهم على وظائفهم ولم يغير لهم شيئا.
وَانْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى تَبُوكَ، فَأَتَى يُوحَنَّا بْنَ رُؤْبَةَ صَاحِبَ أَيْلَةَ، فَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا، فَبَلَغَتْ جِزْيَتُهُمْ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ (?)
ومثلها المناصب الدينية التي تعنى بشئونهم الخاصة، كما جاء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مع نصارى نجران (وَلِنَجْرَانَ وَحَسَبِهَا جِوَارُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَأَرْضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَغَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ وَتَبَعِهِمْ، وَأَلَّا يُغَيَّرُوا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، وَلَا يُغَيَّرَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا مِلَّتِهِمْ، وَلَا يُغَيَّرَ أَسْقُفٌّ مِنْ أَسْقُفِّيَّتِهِ، وَلَا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَلَا وَاقِهٌ مِنْ وَقْهِيَّتِهِ وَكُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ رُبِّيَّةٌ وَلَا دَمُ جَاهِلِيَّةٍ، وَلَا يُحْشَرُونَ وَلَا يُعْشَرُونَ، وَلَا يَطَأُ أَرْضَهُمْ جَيْشٌ، وَمَنْ سَأَلَ مِنْهُمْ حَقًّا فَبَيْنَهُمُ النَّصَفُ غَيْرُ ظَالِمِينَ وَلَا مَظْلُومِينَ، وَمَنْ أَكَلَ رِبًا مِنْ ذِي قَبْلُ فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَلَا يُؤْخَذُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِظُلْمِ آخَرَ، وَعَلَى مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ جِوَارُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ مَا نَصَحُوا وَأَصْلَحُوا فِيمَا عَلَيْهِمْ غَيْرَ مُنْقَلِبِينَ بِظُلْمٍ، وَلَا مَعْنُوفٍ عَلَيْهِمْ ") (?).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال: (وَقَوْلُهُ «مَنْ أَكَلَ مِنْهُمُ الرِّبَا مِنْ ذِي قَبْلٍ، فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ»:لَا نَرَاهُ غَلَّظَ عَلَيْهِمْ أَكْلَ الرِّبَا خَاصَّةً مِنْ بَيْنَ الْمَعَاصِي كُلِّهَا بِمِثْلِ حَالِهِمْ - وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَرْتَكِبُونَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، مِنَ الشِّرْكِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِهِ - إِلَّا دَفْعًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ، أَنْ لَا يُبَايُعُوهُمْ بِهِ، فَيَأْكُلُ الْمُسْلِمُونَ الرِّبَا، وَلَوْلَا الْمُسْلِمُونَ مَا كَانَ أَكْلُ أُولَئِكَ الرِّبَا إِلَّا كَسَائِرِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْمَعَاصِي، بَلِ الشِّرْكُ أَعْظَمُ وَإِنَّمَا أَجْلَاهُمْ عُمَرُ عَنْ