اللامركزية في العصر العباسي الثاني والمملوكي، ثم عادت خلافة مركزية في العهد العثماني مدة أربعة قرون، وعرفت الأمة في أواخره المشروطية وهو الدستور، والمبعوثان وهو البرلمان، ومنصب الصدر وهو رئيس الوزراء .. الخ حتى تم القضاء عليه في حرب استعمارية كبرى، كان أحد أهم أهدافها هو القضاء على هذا النظام بالذات، فسقط بسقوط الخلافة كنظام سياسي الإسلام كأمة واحدة على اختلاف قومياتها وطوائفها، والإسلام كدولة عالمية تسود المسرح الدولي منذ جاء الإسلام، والإسلام كنظام تشريعي وقانوني، والإسلام كهوية وثقافة وحضارة، وقام على أنقاض ذلك دويلات وظيفية، لا تعبر عن دين الأمة وإرادتها، ولا ضميرها وهويتها، ولا نظامها التشريعي والقانوني، ولا ثقافتها وحضارتها، فكانت تلك الدول مسخا مشوها، هي أشبه شيء بالاستعمار الذي اشتقت منه، منها بالإسلام الذي انسلخت عنه!
وقد واجه المسلمون هذا الواقع وهم أعجز ما يكونون وأضعف ما كانوا، فاتسعت الهوة مع الزمن بين ما كانوا عليه، وما صاروا إليه، وتعطل الفقه الذي لا يمكن أن يعيش إلا في ظل النظام السياسي الإسلامي، إذ هو تعبير عن طبيعة الأصول التي تحكم المجتمع والدولة في الإسلام، وكان تطور المجتمعات من جهة، وتخلف الفقه من جهة أخرى إحدى المشكلات التي تعاظمت، ورأى المصلحون أن الخلافة كوحدة سياسية جامعة أمر متعذر في هذا العصر، فاستروحوا إلى الواقع الممكن عن المثال الواجب، كما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمة بخطاب عام لكل زمان ومكان، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» (?)
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» (?)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:" إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا، أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا، كِتَابُ اللهِ، وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ " (?)