عَنْهُ، فَعَرَضَتْ لَهُ مَخَاضَةٌ فَنَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ، وَأَخَذَ بِخِطَامِهِ وَنَزَعَ مَوْقَيْهِ فَأَخَذَهُمَا بِيَدَيْهِ وَخَاضَ الْمَاءَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: صَنَعْتُ الْيَوْمَ صَنِيعًا عَظِيمًا عِنْدَ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَصَكَّ عُمَرُ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا، إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَقَلَّ النَّاسِ وَأَذَلَّ النَّاسِ وَأَضْعَفَهُ، فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَمَهْمَا تَطْلُبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِهِ يُذِلُّكُمْ. (?)
وقَالَ سَيْفٌ عَنْ شُيُوخِهِ: وَلَمَّا تَوَاجَهَ الْجَيْشَانِ بَعَثَ رُسْتُمُ إِلَى سَعْدٍ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ عَالِمٍ بِمَا أَسْأَلُهُ عَنْهُ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ جَعَلَ رُسْتُمُ يَقُولُ لَهُ: إِنَّكُمْ جِيرَانُنَا وَكُنَّا نُحْسِنُ إِلَيْكُمْ وَنَكُفُّ الْأَذَى عَنْكُمْ، فَارْجِعُوا إِلَى بِلَادِكُمْ وَلَا نَمْنَعُ تُجَّارَكُمْ مِنَ الدُّخُولِ إِلَى بِلَادِنَا. فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: إِنَّا لَيْسَ طَلَبُنَا الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا هَمُّنَا وَطَلَبُنَا الْآخِرَةُ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا قَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ سَلَّطْتُ هَذِهِ الطَّائِفَةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَدِنْ بِدِينِي، فَأَنَا مُنْتَقِمٌ بِهِمْ مِنْهُمْ، وَأَجْعَلُ لَهُمُ الْغَلَبَةَ مَا دَامُوا مُقِرِّينَ بِهِ، وَهُوَ دِينُ الْحَقِّ لَا يَرْغَبُ عَنْهُ أَحَدٌ إِلَّا ذَلَّ، وَلَا يَعْتَصِمُ بِهِ إِلَّا عَزَّ. فَقَالَ لَهُ رُسْتُمُ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: أَمَّا عَمُودُهُ الَّذِي لَا يَصْلُحُ شَيْءٌ مِنْهُ إِلَّا بِهِ، فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا! وَأَيُّ شَيْءٍ أَيْضًا؟ قَالَ: وَإِخْرَاجُ الْعِبَادِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ. قَالَ: وَحَسَنٌ أَيْضًا، وَأَيُّ شَيْءٍ أَيْضًا؟ قَالَ: وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، فَهُمْ إِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ. قَالَ: وَحَسَنٌ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ رُسْتُمُ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلْنَا فِي دِينِكُمْ، أَتَرْجِعُونَ عَنْ بِلَادِنَا؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ، ثُمَّ لَا نَقْرَبُ بِلَادَكُمْ إِلَّا فِي تِجَارَةٍ أَوْ حَاجَةٍ. قَالَ: وَحَسَنٌ أَيْضًا. قَالَ: وَلَمَّا خَرَجَ الْمُغِيرَةُ مِنْ عِنْدِهِ ذَاكَرَ رُسْتُمُ رُؤَسَاءَ قَوْمِهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَنِفُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُمْ، وَقَدْ فَعَلَ.
قَالُوا: ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ سَعْدٌ رَسُولًا آخَرَ بِطَلَبِهِ، وَهُوَ رِبْعِيُّ بْنُ عَامِرٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ زَيَّنُوا مَجْلِسَهُ بِالنَّمَارِقِ الْمُذَهَّبَةِ وَالزَّرَابِيِّ الْحَرِيرِ، وَأَظْهَرَ الْيَوَاقِيتَ وَاللَّآلِئَ الثَّمِينَةَ، وَالزِّينَةَ الْعَظِيمَةَ، وَعَلَيْهِ تَاجُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْتِعَةِ الثَّمِينَةِ، وَقَدْ جَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَدَخَلَ رِبْعِيٌّ بِثِيَابٍ صَفِيقَةٍ وَسَيْفٍ وَتُرْسٍ وَفَرَسٍ قَصِيرَةٍ، وَلَمْ يَزَلْ رَاكِبَهَا حَتَّى دَاسَ بِهَا عَلَى طَرَفِ الْبُسَاطِ، ثُمَّ نَزَلَ وَرَبَطَهَا بِبَعْضِ تِلْكَ الْوَسَائِدِ، وَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ سِلَاحُهُ وَدِرْعُهُ وَبَيْضَةٌ