وقد جاء في الحديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» (?)
فسمى الإمارة أمانة إذ هي أصل الأمانات!
وقد فقدت الحكومات العربية الفاعلية السياسية، لغياب الكفاءات القادرة على إدارة شئون المجتمع، كفاءة القوة والقدرة وكفاءة الأمانة والنزاهة، وهو ما أدى إلى تخلف الدول العربية، وانهيارها في كل المجالات، حتى باتت دولا فاشلة، أو آيلة إلى الفشل والسقوط، وزادت نسبة الفقر والمرض والبطالة والأمية حتى تجاوزت معدلاتها حدا غير مسبوق، ولهذا كان من أهم ملامح الحكم الراشد لتحقيق النهضة والتنمية:
1 - حماية المال العام وصيانته من النهب والإهدار، فلا يمكن تحقيق تنمية في ظل النهب المنظم للمال العام، وفي ظل تحول ثروة الأمة ودولها إلى الخارج بأسماء أفراد الأسر الحاكمة.
وقد كان الصحابة هم من حدد راتب أبي بكر من بيت المال فلما حضرته الوفاة رد ما زاد عنده، عنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ انْظُرِي اللِّقْحَةَ الَّتِي كُنَّا نَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا، وَالْجِفْنَةَ الَّتِي كُنَّا نَصْطَبِحُ فِيهَا، وَالْقَطِيفَةَ الَّتِي كُنَّا نَلْبَسُهَا، فَإِنَّا كُنَّا نَنْتَفِعُ بِذَلِكَ حِينَ كُنَّا فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا مِتُّ فَارْدُدِيهِ إِلَى عُمَرَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ» أَرْسَلْتُ بِهِ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: رَضِيَ اللهُ عَنْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبْتَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكَ" (?)
وكذا فعل عمر!
فليس لهم أن يتصرفوا قي مال الأمة إلا بإذنها ورضاها، فعَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ [بْنَ أَبِي سُفْيَانَ] يَخْطُبُنَا يَقُولُ: إِنَّ فِي بَيْتِ مَالِكُمْ فَضْلًا بَعْدَ أُعْطِيَاتِكُمْ، وَإِنِّي قَاسِمُهُ