فقد بلغ الحال في العالم العربي أن أصار المواطن من المحيط إلى الخليج يشعر بوصمة عار في جبينه حين يرى دوله لا وزن لها في العالم من حوله، بل تحولت إلى أدوات لتنفيذ مشاريع القوى الدولية والإقليمية المتصارعة في المنطقة، ففقد الموطن العربي الشعور بالفخر الذي هو أهم أسس الشعور بالمواطنة، وهو ما جعل العرب في كل قطر يعيشون في حالة اغتراب غير مسبوقة في أوطانهم، فمن يحكمهم لا يمثل إرادتهم بل يمثل إرادة الأجنبي، ولا يشرفهم الانتماء إليه ولا إلى الوطن الذي تحكمه هذه الأنظمة العميلة الخائنة لشعوبها وأوطانها، دون أن تشعر حتى بخيانتها لهم!
وقد تجلى ذلك في أبشع صوره في موقف نظام حسني مبارك ودول الاعتدال التي شاركت في حصار وحرب غزة، حتى خرجت وزيرة الخارجية الإسرائيلية لتقول للعالم بأن إسرائيل وعرب الاعتدال في خندق واحد لمواجهة التطرف!
وقد بلغ الحال من فقدان الدول العربية لسيادتها واستقلالها أن اعترف بعض الرؤساء بأنهم عبارة عن موظفين صغار للولايات المتحدة! كما اعترف بذلك الرئيس اليمني للمشايخ والوجهاء في جلسة خاصة لتبرير تعاونه مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب!
إن أهم ملامح الحكم الراشد هو استعادة السيادة المفقودة، تلك السيادة التي يمثل غيابها نتيجة طبيعية في ظل تنامي الفجوة بين الشعوب وحكوماتها، وشعور الحكومات بحاجتها للأجنبي لحماية عروشها غير الشرعية، وهذا بخلاف الأنظمة التي تختارها الشعوب وتقف خلفها لمواجهة أي نفوذ خارجي، فهي تستمد شرعيتها من الأمة لا من العدو!
إن حماية الدولة وصيانة سيادة الأمة هو أول واجبات السلطة كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،قَالَ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ، كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ» (?)
فالسلطة درع وجنة تقف الأمة من ورائها وتقاتل معها وعنها.
ولهذا السبب عرف الفقهاء قديما دار الإسلام بالشوكة لا بالأحكام، فالدار التي تكون الشوكة فيها للأمة والكلمة واليد العليا فيها لها هي وطن ودار للإسلام، كما كانت المدينة