الأول: تجلِّي إرادة الأمة الحرة في اختيار نظام الحكم وطبيعته:

ومن يحكم وكيف يحكم، وأن تمثل السلطة فيه اختيار الأمة ابتداء وانتهاء، فلا يحكمها إلا من انتخبته الأمة انتخابا حرا مباشرا، ولا يسوس شئونها إلا من ارتضته ورضيت به، وأن يكون ذلك عن أمر جلي لا يكون عرضة للعبث، وهو ما يقتضي:

1 - الاتفاق على عقد اجتماعي وسياسي جديد يعبر عن الثورة وتطلعات الأمة، من خلال وضع دساتير جديدة، تنظم عملية الوصول للسلطة بكل شفافية، وتصون الحقوق والحريات العامة والخاصة، كما فعل النبي صلى الله عليه حين دخل يثرب بعد بيعة العقبة الثانية، فكان أول عمل قام به أن كتب صحيفة المدينة التي حفظ فيها الحقوق لكل مكونات الدولة الجديدة، وحدد المرجعية السياسية، وصان الحرية الدينية، وكفل الحقوق الفردية .. الخ ثم حصن ذلك كله بقوله: (وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرَ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَأَنَّ بَيْنَكُمُ النُّصْحَ وَالنَّصِيحَةَ وَالنَّصْرَ لِلْمَظْلُومِ،) (?)

فلا مجال لتفريغ الوثيقة من مضمونها، أو الاحتجاج بها على نقيض مقصودها من إقامة العدل والقسط، بالتعسف أو التأويل أو التحريف!

كما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعلان عن مبدأ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ليؤكد بأن العلاقة بين مكونات المجتمع الجديد تقوم على أساس الأخوة وعلى أساس المواطنة وتساوي الجميع في الحقوق وأمام القضاء، لا كما كان عليه الحال في المجتمع الجاهلي الطبقي، فلا عصبية جاهلية ولا طبقية ولا عنصرية قومية فسلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي كعمر القرشي!

وسيكون اليهود أمة مع المؤمنين للمسلمين دينهم ولليهود دينهم، على أساس من الحرية والمواطنة {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256]،فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح بذلك عصرا جديدا للعرب خاصة، وللعالم كافة، هو عصر (المدينة) بعد (يثرب)،حيث سيقوم مجتمع المدينة والمدنية والحضارة والإنسانية، فلا استبداد ولا طغيان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015