علي بالتحكيم مع كونه إماما شرعيا، إلا أنه لما دعوه إلى الصلح أجاب إليه كما أمر الله بذلك المؤمنين إذا اقتتلوا، ورأى علي أن الآية عامة في السلطان وغيره!
فإذا افترضنا جدلا أن الحكومات العربية حكومات شرعية فالواجب عليها إنصاف شعوبها المظلومة، فإن قاتلت الحكومات شعوبها ظلما وعدوانا، وردوا عدوانها، فقتيل الطائفة المظلومة شهيد، والواجب الدعوة إلى الصلح والحكم بينهم بما أنزل الله، ومن ذلك حكم الله في الشورى وحق الأمة بأن لا يحكمها إلا من اختارته بالرضا، فإن أبت السلطة ذلك وبغت وعادت للقتال، فيجب على الأمة نصرة الطائفة المبغي عليها: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}!
وعلى فرض أن المتظاهرين سلميا بغاة على السلطة، فإن الله لم يأمر بقتالهم مباشرة، بل أمر بالصلح معهم بالحق والعدل، فإن رفضوا الصلح والحكم بالعدل وبغوا وجب قتالهم، وكذلك السلطة إن رفضت الصلح وبغت عليهم وجب قتالها حتى تفيء إلى أمر الله كما هو نص الآية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (فَلَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ ابْتِدَاءً. فَالِاقْتِتَالُ ابْتِدَاءً لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ؛ وَلَكِنْ إذَا اقْتَتَلُوا أَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ؛ ثُمَّ إنْ بَغَتْ الْوَاحِدَةُ قُوتِلَتْ؛ وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْبُغَاةَ لَا يَبْتَدِئُونِ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُقَاتِلُوا. وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِمْ: «أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ: «لَئِنْ أَدْرَكْتهمْ لَأَقْتُلَنهُمْ قَتْلَ عَادٍ».
وَكَذَلِكَ مَانِعُوا الزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ الصِّدِّيقَ وَالصَّحَابَةَ ابْتَدَءُوا قِتَالَهُمْ، قَالَ الصِّدِّيقُ: وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهِ. وَهُمْ يُقَاتَلُونَ إذَا امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَإِنْ أَقَرُّوا بِالْوُجُوبِ.) (?).
وقال أيضا (فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَبْغِي بِأَنْ تَمْتَنِعَ عَنْ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ، وَلَا تُجِيبَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتُقَاتِلُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ تَطْلُبُ قِتَالَ الْأُخْرَى وَإِتْلَافَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِهِ؛ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى كَفِّهَا إلَّا بِالْقَتْلِ قُوتِلَتْ حَتَّى تَفِيءَ إلَى