وهل هو معروف بمثل ما قرف به أم لا؟ فإن برؤوه من مثل ذلك خفت التهمة، ووضعت وعجل إطلاقه ولم يغلظ عليه، وإن قرفوه بأمثاله وعرفوه بأشباهه غلظت التهمة وقويت واستعمل فيها من حال الكشف ما سنذكره، وليس هذا للقضاة.

والثاني: أن للأمير أن يراعي شواهد الحال، وأوصاف المتهوم في قوة التهمة وضعفها، فإن كانت التهمة زنا، وكان المتهوم مطيعًا للنساء ذا فكاهة وخلابة قويت التهمة، وإن كان بضده ضعفت، وإن كانت التهمة بسرقة، وكان المتهوم بها ذا عيارة1، أو في بدنه آثار ضرب، أو كان معه حين أخذ منقب قويت التهمة، وإن كان بضده ضعفت وليس هذا للقضاة أيضًا.

والثالث: أنَّ للأمير أن يجعل حبس المتهوم للكشف والاستبراء، واختلف في مدة حبسه لذلك، فذكر عبد الله الزبيري من أصحاب الشافعي أن حبسه للاستبراء، والكشف مقدَّر بشهر واحد لا يتجاوزه. وقال غيره: بل ليس بمقدر، وهو موقوف على رأي الإمام واجتهاده وهذا أشبه2، وليس للقضاة أن يحبسوا أحدًا إلا بحق وجب.

والرابع: أن يجوز للأمير مع قوة التهمة أن يضرب المتهوم ضرب التعزيز لا ضرب الحد؛ ليأخذه بالصدق عن حاله فيما قرف به واتهم، فإن أقر وهو مضروب، اعتبرت حالة فيما ضرب عليه، فإن ضرب لم يكن لإقراءه تحت الضرب حكم، وإن ضرب ليصدق عن حالة وأقرَّ تحت الضرب قطع ضربه واستعيد إقراره، فإذا أعاده كان مأخوذًا بالإقرار الثاني دون الأول، فإن اقتصر على الإقرار ولم يستعده لم يضيق عليه أن يعمل بالإقرار الأول، وإن كرهناه.

والخامس: أنه يجوز للأمير فيمن تكررت منه الجرائم ولم ينزجز عنها بالحدود ان يستديم حبسه إذا استضرَّ الناس بجرائمه حتى يموت بعد أن يقوم بقوته وكسوته من بيت المال؛ ليدفع ضرره عن الناس، وإن لم يكن ذلك للقضاة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015