...
الباب التاسع عشر: في أحكام الجرائم
الجرائم محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحدّ أو تعزيز1، ولها عند التهمة حال استبراء تقتضيه السياسة الدينية، ولها عند ثبوتها وصحتها حال استيفاء توجبه الأحكام الشرعية.
فأمَّا حالها بعد التهمة وقبل ثبوتها وصحتها فمعتبر بحال النظر فيها، فإن كان حاكمًا رفع إليه رجل قد اتُّهم بسرقة أو زنًا، لم يكن لتهمة بها تأثير عنده؛ ولم يجز أن يحبسه لكشف ولا استبراء، ولا أن يأخذه بأسباب الإقرار إجبارًا، ولم يسمع الدعوى عليه في السرقة إلَّا من خصم مستحق لما قرف، وراعى ما يبدو من إقرار المتهوم أو إنكاره؛ إن اتهم بالزنا لم يسمع الدعوى عليه إلَّا بعد أن يذكر المرأة التى زنى بها، ويصف ما فعله بها مما يكون زنًا موجبًا للحدِّ، فإن أقرَّ حده بموجب إقراره، وإن أنكر وكانت بينة سمعها عليه، وإن لم تكن أحلفه في حقوق الآدميين دون حقوق الله تعالى إذا طلب الخصم اليمين2.
وإن كان الناظر الذي رفع إليه هذا المتهوم أميرًا، أو من أولاد الأحداث والمعاون، كان له مع هذا المتهوم من أسباب الكشف والاستبراء ما ليس للقضاة والحكام، وذلك من تسعة أوجه يختلف بها حكم الناظرين:
أحدها: أنه لا يجوز للأمير أن يسمع قرف3 المتهوم من أعوان الإمارة من غير تحقيق للدعوى المقررة ويرجع إلى قولهم في الإخبار عن حال المتهوم، وهل هو من أهل الريب؟