الناس غيره شربًا، فإذا سقط وجوبه عن بيت المال بالعدم سقط وجوبه عن الكفاية لوجود البدل، فلو اجتمع على بيت المال حقَّان ضاق عنهما واتسع لأحدهما صرف فيما يصير منهما دينًا فيه، فلو ضاق عن كل واحد منهما جاز لولي الأمر إذا خاف الفساد أن يقترض على بيت المال ما يصرفه في الديون دون الارتفاق، وكان من حدث بعده من الولاة مأخوذًا بقضائه إذا اتسع له بيت المال.

وإذا فضلت حقوق بيت المال عن مصرفها فقد اختلف الفقهاء في فاضله، فذهب أبو حنيفة إلى أنه يدخر في بيت المال لما ينوب المسلمين من حادث. وذهب الشافعي إلى أنه يقبض على أموال من يعمّ به صلاح المسلمين ولا يدخر؛ لأن النوائب تعين فرضها عليهم إذا حدثت، فهذه الأقسام الأربعة التي وضعت عليها قواعد الديوان.

فصل:

وأما كاتب الديوان وهو صاحب ذمامه، فالمعتبر في صحة ولايته شرطان: العدالة والكفاية.

فأما العدالة: فلأنه مؤتَمَن على حق بيت المال والرعية، فاقتضى أن يكون في العدالة والأمانة على صفات المؤتمنين.

وأما الكفاية: فلأنَّه مباشر لعمل يقتضي أن يكون في القيام مستقبلًا بكفاية المباشرين، فإذا صحَّ تقليده فالذي ندب له ستة أشياء: حفظ القوانين، واستيفاء الحقوق، وإثبات الرفع، ومحاسبات العمال، وإخراج الأحوال، وتصفح الظلامات.

فأما الأول منها: وهو حفظ القوانين على الرسوم العادلة من غير زيادة تتحيف بها الرعية، أو نقصان ينثلم به حق بيت المال، فإن قررت في أيامه لبلاد استؤنف فتحها، أو لمواتٍ ابتدئ في إحيائه، أثبتها في ديوان الناحية وديوان بيت المال الجامع للحكم المستقر فيها، وإن تقدمته القوانين المقررة فيها رجع فيها إلى ما أثبته أمناء الكتاب إذا وثق بخطوطهم، وتسلمه من أمنائهم تحت ختمهم، وكانت الخطوط الخارجة على هذه الشروط مقنعة في جواز الأخذ بها، والعمل عليها في الرسوم الديوانية والحقوق السلطانية، وإن لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015