وأما الصدقة فضربان:

صدقة مال باطن: فلا يكون من حقوق بيت المال؛ لجواز أن ينفرد أربابه بإخراج زكاته في أهلها.

والضرب الثاني: صدقة مال ظاهر؛ كأعشار الزروع والثمار وصدقات المواشي، فعند أبي حنيفة أنه من حقوق بيت المال؛ لأنه يجوز صرفه على رأي الإمام واجتهاده، ولم يعينه في أهل السهمين، وعلى مذهب الشافعي لا يكون من حقوق بيت المال؛ لأنه معين الجهات عنده، لا يجوز صرفه على غير جهاته، لكن اختلف قوله هل يكون بين المال محلًّا لإحرازه عند تعذر جهاته؟ فذهب في القديم إلى أن بيت المال إذا تعذَّرت الجهات يكون محلًّا لإحرازه فيه إلى أن توجد؛ لأنه كان يرى وجوب دفعه إلى الإمام، ورجع عنه في مستجد قوله إلى بيت المال لا يكون محلًّا لإحرازه استحقاقًا؛ لأنه لا يرى فيه وجوب دفعه إلى الإمام، وإن جاز أن يدفع إليه فذلك لم يستحق إحرازه في بيت المال، وإن جاز إحرازه فيه.

وأما المستحق على بيت المال فضربان:

أحدهما: ما كان بيت المال فيه حرزًا فاستحقاقه معتبر بالوجود، فإن كان المال موجودًا فيه كان صرفه في جهاته مستحقًّا وعدمه مسقطًا لاستحقاقه.

والضرب الثاني: أن يكون بيت المال له مستحقًّا فهو على ضربين:

أحدهما: أن يكون مصرفه مستحقًّا على وجه البدل كأرزاق الجند وأثمان الكراع والسلاح، فاستحقاقه غير معتبر بالوجود، وهو من الحقوق اللازمة مع الوجود والعدم، فإن كان موجودًا عجل دفعه كالديوان مع اليسار؛ وإن كان معدومًا وجب فيه على الإنظار كالديون مع الإعسار.

والضرب الثاني: أن يكون مصرفه مستحقًّا على وجه المصلحة والأرفاق دون البدل، فاستحقاقه معتبر بالوجود دون العدم، فإن كان موجودًا في بيت المال وجب فيه وسقط غرضه عن المسلمين، وإن كان معلومًا سقط وجوبه عن بيت المال، وكان إن عمَّ ضرره من فروض الكفاية على كافة المسلمين حتى يقوم به منهم من فيه كفاية كالجهاد، وإن كان مما لا يعم ضرره كوعورة طريق قريب يجد الناس طريقًا غيره بعيدًا، أو انقطاع شرب يجد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015