وَمَنْ يَكُنْ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ مُعْتَصِمًا ... يَلْقَ ابْنَ حَرْبٍ وَيَلْقَ الْمَرْءَ عَبَّاسَا
قَوْمِي قُرَيْشٌ بِأَخْلَاقٍ مُكَمَّلَةٍ ... بِالْمَجْدِ وَالْحَزْمِ مَا عَاشَا وَمَا سَاسَا
سَاقُ الْحَجِيجِ وَهَذَا نَاشِرٌ فَلِجٌ ... وَالْمَجْدُ يُورَثُ أَخْمَاسًا وَأَسْدَاسَا
فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَرَدَّا عَلَيْهِ مَالَهُ، وَاجْتَمَعَتْ بُطُونُ قُرَيْشٍ فَتَحَالَفُوا فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ عَلَى رَدِّ الْمَظَالِمِ بِمَكَّةَ، وَأَنْ لَا يَظْلِمَ أَحَدٌ إلَّا مَنَعُوهُ وَأَخَذُوا لِلْمَظْلُومِ حَقَّهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ مَعَهُمْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَعَقَدُوا حِلْفَ الْفُضُولِ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاكِرًا لِلْحَالِ: "لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفَ الْفُضُولِ مَا لَوْ دُعِيتُ إلَيْهِ لَأَجَبْتُ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ".
وَإِنِّي بِقِصَّتِهِ وَمَا يَزِيدُهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً، فَقَالَ بَعْضُ قُرَيْشٍ فِي هَذَا الْحِلْفِ "مِنَ الْبَسِيطِ":
تَيْمُ بْنُ ُرَّةَ إنْ سَأَلْتَ وَهَاشِمًا ... وَزُهْرَةُ الْخَيْرِ فِي دَارِ ابْنِ جُدْعَانِ
مُتَحَالِفِينَ عَلَى النَّدَى مَا غَرَّدَتْ ... وَرْقَاءُ فِي فَنَنٍ مِنْ جِذْعِ كِتْمَانِ
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِعْلًا جَاهِلِيًّا دَعَتْهُمْ إلَيْهِ السِّيَاسَةُ، فَقَدْ صَارَ بِحُضُورِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ، وَمَا قَالَهُ فِي تَأْكِيدِ أَمْرِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَفِعْلًا نَبَوِيًّا.