وإن لم يكن هذا البلد ثغرا مضرا بِدَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ أَمْرُهُ أَيْسَرَ، وَحُكْمُهُ أَخَفَّ، ولم يكن للمحتسب أخذ أهله بعمارته جبرا، لكن يقول لهم: أَنْتُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ الِانْتِقَالِ عَنْهُ أَوْ الْتِزَامِ مَا يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِ الَّتِي يُمْكِنُ مَعَهَا دوام استيطانه. فإن أجابوا إلَى الْتِزَامِ ذَلِكَ كَلَّفَ جَمَاعَتَهُمْ مَا تَسْمَحُ بِهِ نُفُوسُهُمْ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ واحد منهم في عينه بالتزام مَا لَا تَسْمَحُ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ قَلِيلٍ ولا كثير، ويقول: ليخرج كل واحد منكم مَا سَهُلَ عَلَيْهِ وَطَابَ نَفْسًا بِهِ. وَمَنْ أَعْوَزَهُ الْمَالُ أَعَانَ بِالْعَمَلِ، حَتَّى إذَا اجْتَمَعَتْ كفاية المصلحة أو يلوح اجتماعها بضمان كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمُكْنَةِ قَدْرًا طَابَ به نفسا أسرع حِينَئِذٍ فِي عَمَلِ الْمَصْلَحَةِ، وَأَخَذَ كُلَّ ضَامِنٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ بِالْتِزَامِ مَا ضَمِنَهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا الضَّمَانِ لَا يَلْزَمُ فِي الْمُعَامَلَاتِ الْخَاصَّةِ، لِأَنَّ حُكْمَ مَا عَمَّ مِنْ الْمَصَالِحِ مُوسِعٌ، فَكَانَ حُكْمُ الضَّمَانِ فِيهِ أَوْسَعَ. وَإِذَا عَمَّتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِالْقِيَامِ بِهَا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ السُّلْطَانَ فِيهَا، لئلا يصير بالتفرد مفتاتا عليه. فإن شق اسْتِئْذَانُ السُّلْطَانِ فِيهَا أَوْ خِيفَ زِيَادَةُ الضَّرَرِ لِبُعْدِ اسْتِئْذَانِهِ جَازَ شُرُوعُهُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ استئذان.

وقد قال أحمد: لا تخرجوا لقتال العدو إلا بإذن الأمير، إلا أن يفجأهم عدو ويخافون كلبه". وأما الخاص كالحقوق إذا مطلت والديون إذا أخذت، فَلِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا مَعَ الْمُكْنَةِ إذَا اسْتَعْدَاهُ أَصْحَابُ الْحُقُوقِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يحبس بها لأن الحبس حكم، وليس له أن يلازم عليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015