وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ إذَا فَعَلَهَا عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ يخالف رَأْيَ الْمُحْتَسِبِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعَاتِ، وَالْوُضُوءِ بماء تغير بالأشياء الطاهرات، والعفو عن قدر الدرهم من النجاسات، لا اعتراض له في شيء منه، وهل له الاعتراض في الوضوء بالنبيذ؟ يحتمل وجهين. أحدهما: أن له ذلك، لأنه ربما يئول إلى استباحته عند عدم الماء مع وجوده، وربما أفضى إلى جواز السكر منه، ويحتمل أن ليس له ذلك لما فيه من تسويغ الاجتهاد، فهذا الأمر بالمعروف في حقوق الله تعالى. وأما في حقوق الآدميين فضربان: عام، وخاص أما العام فكالبلد إبذا تَعَطَّلَ شُرْبُهُ، أَوْ اسْتُهْدِمَ سُورُهُ، أَوْ كَانَ يطرقه بنو السبيل من ذوي الحاجات فيكفوا عن معاونتهم. فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ لَمْ يتوجه عليهم فيه أمر بإصلاح شربهم وبناء سورهم، ولا بمعاونة بَنِي السَّبِيلِ فِي الِاجْتِيَازِ بِهِمْ، لِأَنَّهَا حُقُوقٌ تَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ دُونَهُمْ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتُهْدِمَتْ مَسَاجِدُهُمْ وَجَوَامِعُهُمْ. فَأَمَّا إذَا أُعْوِزَ بَيْتُ الْمَالِ، كَانَ الْأَمْرُ بِبِنَاءِ سُورِهِمْ، وَإِصْلَاحِ شُرْبِهِمْ، وَعِمَارَةِ مساجدهم وجوامعهم ومراعاة بني السبيل متوجها إلى كافة ذوي المكنة منهم، فإن شرع ذوو المكنة في عمله وفي مراعاة بني السبيل سَقَطَ عَنْ الْمُحْتَسِبِ حَقُّ الْأَمْرِ بِهِ، وَلَمْ يلزمهم الاستئذان في ذلك، وَلَكِنْ لَوْ أَرَادُوا هَدْمَ مَا يُعِيدُونَ بِنَاءَهُ من المتهدم، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْإِقْدَامُ عَلَى هَدْمِهِ فِيمَا عم أهل البلد من سوره وجامعه إلَّا بِاسْتِئْذَانِ وَلِيِّ الْأَمْرِ دُونَ الْمُحْتَسِبِ، لِيَأْذَنَ لهم في هدم بعد تضمينهم القيام بعمارته. ويجوز فِيمَا خُصَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ فِي الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ أن لا يَسْتَأْذِنُوهُ.
وَعَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِبِنَاءِ مَا هَدَمُوهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِإِتْمَامِ مَا استأنفوه. وقد قال أحمد في رواية أبي داود: - في مسجد يريدون أن يرفعوه ن الأرض ويجعل تحته سقاية، ومنعهم من ذلك المشايخ، وقالوا: لا نقدر نصعد - "يصار إلى قول أكثرهم " يعني أهل المسجد. فأما إذا كانت ذو الْمُكْنَةِ عَنْ بِنَاءِ مَا اسْتُهْدِمَ، وَعِمَارَةِ مَا استرم، فإن كان المقام بالبلد ممكنا وكان الشرب - وإن فسد - مقنعا تركهم وإياه، وإن تعذر المقام فيه لتعطيل شربه واندحاض سوره نظرت. فإن كان البلد ثغرا يضر بالإسلام تَعْطِيلُهُ، لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُفْسِحَ فِي الِانْتِقَالِ عَنْهُ وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النَّوَازِلِ إذَا حَدَثَتْ فِي قِيَامِ كَافَّةِ ذَوِي الْمُكْنَةِ بِهِ، وَكَانَ تَأْثِيرُ الْمُحْتَسِبِ فِي مِثْلِ هَذَا إعلان للسلطان بِهِ، وَتَرْغِيبَ أَهْلِ الْمُكْنَةِ فِي عَمَلِهِ.