الثامن: أن له أن يرتزق من بيت المال، على حسبه، ولا يجوز لمتطوع أن يرتزق على إنكاره.
التاسع: أَنَّ لَهُ اجْتِهَادَ رَأْيِهِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِالْعُرْفِ دُونَ الشَّرْعِ، كَالْمَقَاعِدِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَإِخْرَاجِ الْأَجْنِحَةِ، فَيُقِرُّ وَيُنْكِرُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا لِلْمُتَطَوِّعِ.
فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ والي الحسبة، وإن كانت أمرا بالمعروف، ونهيا عن المنكر، وبين غيره من المتطوعة، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ المنكر، من هذه الوجوه التسعة. ومن شروط والي الحسبة أن يكون خبيرا عَدْلًا، ذَا رَأْيٍ وَصَرَامَةٍ وَخُشُونَةٍ فِي الدِّينِ، وعلم بالمنكرات الظاهرة. وهل يفتقر إلى أَنْ يَكُونَ عَالِمًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي أحكام الدين ليجتهد رأيه؟ يحتم أن يكون من أهله، ويحتمل أن لا يكون ذلك شرطا إذا كان عارفا بالمنكرات المتفق عليها. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحِسْبَةَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وأحكام المظالم. فأما ما بينها وَبَيْنَ الْقَضَاءِ: فَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِأَحْكَامِ الْقَضَاءِ مِنْ وجهين، ومقصرة عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَزَائِدَةٌ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ. فَأَمَّا الْوَجْهَانِ فِي مُوَافَقَتِهَا لِأَحْكَامِ الْقَضَاءِ فَأَحَدُهُمَا: جواز الاستعداء عَلَى الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَلَيْسَ هَذَا عَلَى عُمُومِ الدَّعَاوَى، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنْ الدَّعْوَى. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِيمَا يتعلق ببخس أو تطفيف في كيل أو وزن. والثاني: فيما تعلق بِغِشٍّ، أَوْ تَدْلِيسٍ فِي مَبِيعٍ أَوْ ثَمَنٍ. والثالث: ما تعلق بمبطل وَتَأْخِيرٍ لِدَيْنٍ مُسْتَحَقٍّ مَعَ الْمُكْنَةِ. وَإِنَّمَا جَازَ نَظَرُهُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الدَّعَاوَى، دُونَ مَا عَدَاهَا مِنْ سَائِرِ الدَّعَاوَى، لِتَعَلُّقِهَا بِمُنْكَرٍ ظَاهِرٍ، هُوَ مَنْصُوبٌ لِإِزَالَتِهِ، وَاخْتِصَاصِهَا بِمَعْرُوفٍ بَيِّنٍ، هُوَ مَنْدُوبٌ إلَى إقَامَتِهِ، لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْحِسْبَةِ إلْزَامُ الْحُقُوقِ وَالْمَعُونَةِ عَلَى اسْتِيفَائِهَا وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ فِيهَا أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ إلَى الْحُكْمِ الناجز.