فروى أبو بكر بإسناده عن الشعبي قال " جاء عتبة بن فرقد إلى عمر فقال: إني اشتريت أرضا من أرض السواد، قال: من أهلها؟ قال: نعم. قال: فإن أهل الكوفة هم أهلها". وبإسناده عن ابن عباس " أنه كره شراء أرض الحيرة. وقال في رواية يعقوب بن بختان - وقد سأله عن سكنى بغداد وشراء دورها - فقال " اشتر منه ولا تسكنه أو غلة بقيمة ولا يعجبني بيعه". وقال أيضا في رواية أبي طالب " يشتري ما يفوته ويقوت عياله، فما كان أكثر من القوت فلا". وقد أجاز شراء ما تدعو الحاجة إليه منها، وقد أطلق القول في رواية مهنا، وقد سأله عن بيع أرض السواد وشراءهان فرخص في الشراء ولم يعجبه البيع. فقد أطلق جواز الشراء. وهذا محمول على قدر الحاجة، لأن للحاجة تأثيرا في جواز البيع، بدليل بيع العرايا، وهو بيع رطب بتمر خرصا يجوز للحاجة إلى شراء الرطب، وإن كان ممنوعا منه في غير العرايا وكذلك قرض الخبز والعجين يجوز للحاجة وإن كان ممنوعا منه في غير القرض ويكون الشراء في الحقيقة استنقاذا وفداء وغير ممتنع أن يقع العقد على وجه الاستنقاذ فيكون جائزا في حق الباذل للعوض. وهو ممنوع منه في حق الأخذ، بدليل فك الأسير من أيدي المشركين بعوض بذله لهم، فهو استنقاذ وفداء مباح من جهة الباذل، ومحرم من جهة الأخذ، وهما سواء، لأن ذلك العقد مع مشرك، وكذلك هاهنا سبب عقد الخراج مع المشركين. وكذلك إذا شهد شاهد على رجل أنه أعتق عبده أو طلق زوجتهن ورد الحاكم شهادته ثم إنه ابتاع العبد من سيده وخالع المرأة من زوجها بعوض بذله له، فإن ذلك جائزا في حق الباذل؛ لأنه استنقاذ للعبد من الرق، وللزوجة من وطء الحرام، وهو عوض محرم من جهة السيدة والزوج لأنه يأخذه بغير حق، كذلك البائع للسواد.
وقد قال أحمد في رواية المروزي " والحجة في شراء السواد ولا يباع فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رخصوا في شراء المصاحف، وكرهوا بيعها". وهو استحسان، وليس هو القياس. وقد قيل: إن المعارضة عليها بالابتياع على طريق الإجارة. فتكون إجارة بلفظ البيع. وهذا لا يخرج عن قول أحمد؛ لأنه أجاز الشراء وكره البيع، ولأنه خص ذلك بالحاجة ولو كان على وجه الإجارة لم يمنع البائع منه، ولم يخصه بالحاجة. فأما المعاوضة على ما أحدث فيها من بناء وغراس، فالمنصوص عنه المنع في رواية يعقوب بن بختان، في الرجل يقول: أبيعك النقض ولا أبيعك رقبة الأرض " هذا خداع ". وكذلك قال في رواية المروزي إنه قالف " أبيعك النقض ولا أبيعك رقبة الأرض هذا خداع". فقد منع من ذلك، وقد قيل فيه: إنه إنما منع من ذلك لأن البناء في العادة يكون من تراب الأرض الوقف فلم يصح بيعه لأنه من جملته.