وَقَدْ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة بن مسعود عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجْتَمِعُ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ". وَأَجْلَى عمر أَهْلَ الذِّمَّةِ عَنْ الْحِجَازِ وَضَرَبَ لِمَنْ قَدِمَ منهم: تاجرا، أوصانعا مقام ثلاثة أيام يخرجون بَعْدَ انْقِضَائِهَا. فَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الحكم. فيمنع أهل الذمة من استيطان الحجاز، ويمكنون مِنْ دُخُولِهِ، وَلَا يُقِيمُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا انْقَضَتْ صُرِفَ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَجَازَ أَنْ يُقِيمَ فِي غَيْرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يُصْرَفَ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ أَقَامَ بِمَوْضِعٍ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثلاثة أيام عزر، ولم يكن معذورا. الحكم الثاني أن لا يدفن فيه أمواتهم وينقلون - إنْ دُفِنُوا فِيهِ - إلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّ دَفْنَهُمْ فيه مستدام فصار كالاستيطان إلا أن تبعد مَسَافَةُ إخْرَاجِهِمْ مِنْهُ، وَيَتَغَيَّرُوا إنْ أُخْرِجُوا، فَيَجُوزُ لأجل الضرورة أن يدفنوا فيه. الحكم الثالث أن لمدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حرما محظورا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، يُمْنَعُ مِنْ تَنْفِيرِ صَيْدِهِ، وَعَضُدِ شجره، كحرمة مكة. الحكم الرابع أرض الحجاز اختص رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفَتْحِهَا، وهي تنقسم قسمين. أحدها: صدقات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أخذها بحقيه. فإن حقيه: خمس الخمس من الفيء والغنائم.

وأما أربعة أخماس الفيء مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فهل كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحقا له؟ على وجهين: أحدهما: كان حقا له، ذكره أبو بكر في كتاب التفسير في سورة الحشر فقال: " جعل الله ما لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ لرسوله خاصة دون غيره , ولم يجعل فيه لأحد نصيبها".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015