{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} "، وتقدم أيضًا قوله في الكلام على قول الله-تعالى-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، ثم جعل يتلو هذه الآية {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *} ".
الوجه الثاني: أن يقال: كيف لا ينكر على من استهان بالأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي وقابلها بالرد والإطراح تقليدًا لبعض العصريين، بل إنه ينبغي التشديد في الإنكار على هذا الضرب من الناس اقتداء بالصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ فإنهم كانوا ينكرون أشد الإنكار على من رد شيئًا من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عارضها برأيه، والآثار عنهم في ذلك كثيرة، وقد ذكرتها في الرد على زنديق مصر المدعو بالسيء صالح أبي بكر، فلتراجع هناك.
وأما قوله: وإنما يتوجه الإنكار على من يجادل في وجوده وصحة خروجه.
فجوابه: أن يقال: هذا من قلب الحقائق، وفيه تصديق لما جاء في الحديث الذي رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا» وهذا الحديث ضعيف، ولكن الواقع من بعض الناس يشهد له ويصدقه.
ومن زعم أنه يتوجه الإنكار على من قال بوجود المهدي في آخر الزمان وصحة خروجه، فلازم قوله الإنكار على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه هو الذي أخبر بوجود المهدي في آخر الزمان، ويلزم على قوله أيضا الإنكار على الصحابة الذين رووا الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي، وعلى من رواها عنهم من التابعين، ومن رواها بعدهم من أكابر العلماء، ومن خرجها من أكابر المحدثين، وعلى الذين صححوا بعض الأحاديث الواردة في المهدي، وعلى الذين قالوا إنها متواترة، فكل هؤلاء يتوجه الإنكار عليهم عند ابن محمود وعلى حد زعمه، وما أعظم ذلك وأقبحه وأسوأ عاقبته.
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم