يجوز أن يقال فيه صحيح، وقال في حديث جابر الذي رواه الحارث بن أبي أسامة إسناده جيد، فكلام ابن القيم فيه أبلغ رد على ابن محمود وليس فيه تأييد لقوله، وقد اختصر ابن محمود كلام ابن القيم اختصارًا يخل به، وحذف منه ما فيه حجة عليه؛ وهو ما صرح به ابن القيم من التصحيح لبعض أحاديث المهدي وتقرير خروجه في آخر الزمان، وما رجحه من أقوال أهل السنة، وذكر أن الأحاديث تدل عليه. ولا يخفى ما في صنيع ابن محمود من التلبيس وعدم الأمانة في النقل، وقد قال عبد الرحمن بن مهدي: "إن أهل السنة ينقلون ما لهم وما عليهم، وإن أهل البدعة ينقلون ما لهم ولا ينقلون ما عليهم"، وما ذكره عن أهل البدعة فهو مطابق لصنيع ابن محمود في هذا الموضع وفي عدة مواضع من رسالته غاية المطابقة.
وأما قول ابن محمود: فهذه الأقوال على اختلافها تدل على أن القضية موضع نزاع وخلاف في قديم الزمان وحديثه وليست بموضع اتفاق.
فجوابه: أن يقال: قد قال الله -تعالى- في كتابه العزيز: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}؛ والرد إلى الله تعالى هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الرد إليه في حياته، وبعد موته إلى سنته، وقد دلَّت الأحاديث الكثيرة على أن المهدي من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يخرج في آخر الزمان، فيملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا، فهذا القول هو المعتمد وما سواه فهو مردود.
وقال ابن محمود في صفحة (9): "ومن لوازم قوله أن ما يزعمونه من خروج المهدي المجهول في عالم الغيب أنه لا حقيقة له، لكن المتعصبين لخروجه لما طال عليهم الأمد ومضى من الزمان أربعة عشر قرنًا، وما يشعرني أن يأتي من الزمان أكثر مما مضى بدون أن يروه حتى تقوم الساعة، لهذا أخذوا يمدون في الأجل ليثبتوا بذلك استقامة قولهم عن السقوط، فأخذوا يبثون في الناس بأنه لن يخرج إلا زمن عيسى ابن مريم، مع العلم أن الأحاديث التي بأيديهم والتي يزعمونها صحيحة ومتواترة والتي رواها الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، أنها وردت مطلقة لم تقيد بزمن عيسى، إلا حديث صلاة عيسى خلف المهدي، قال الذهبي وعلي القاري أنه موضوع أي مكذوب فسقط الاحتجاج به".
والجواب: أن يقال: أما قول ابن محمود: ومن لوازم قوله أن ما يزعمونه من خروج ..