الذي حمل ابن محمود على رد الأحاديث في المهدي، وتنزيه مسند الدارمي عنها.
وقال ابن محمود في صفحة (8): "ثم إن من عادة العلماء المحدثين والفقهاء المتقدمين، أن بعضهم ينقل عن بعض الحديث والقول على علاته تقليدًا لمن سبقه، كما ذكر عن الإمام أحمد؛ أنه كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد فينقلها ثم يردها إليه. ذكروا ذلك في ترجمة ابن سعد، وكان الشافعي يقول للإمام أحمد: "إذا ثبت عندك الحديث فارفعه إلي حتى أثبته في كتابي"، وكذلك سائر علماء كل عصر ينقل بعضهم عن بعض، فمتى كان الأمر بهذه الصفة فلا عجب متى رأينا أحاديث المهدي تنتشر في كتب المعاصرين لأبي داود؛ كالترمذي، وابن ماجة؛ لخروج الحديث من كتاب إلى مائة كتاب، وانتقال الخطأ من عالم إلى مائة عالم، لكون الناس مقلدة، وقليل منه المحققون المجتهدون، والمقلد لا يعد من أهل العلم".
والجواب: أن يقال: قد جازف ابن محمود في هذه الجملة غاية المجازفة، وتجاوز حد المعقول إلى غير المعقول، وقد قال الشاعر وأحسن فيما قال:
وليس من الإنصاف أن يدفع الفتى ... يد النقص عنه بانتقاص الأفاضل
فأما قوله: ثم إن من عادة العلماء المحدثين والفقهاء المتقدمين أن بعضهم ينقل عن بعض الحديث والقول على علاته تقليدًا لمن سبقه.
فجوابه: أن يقال: هذه المجازفة بعيدة كل البعد عن الصواب، ولا أعلم أحدًا رمي سائر العلماء من السلف ومن بعدهم في كل عصر بالتقليد سوى ابن محمود، ويالها من زلة ما أبشعها وأشنعها، وإذا كان علماء السلف ومن بعدهم من سائر العلماء في كل عصر مقلدة عند ابن محمود، وهو لا يعد المقلد من أهل العلم، فمن هم العلماء، ومن هم المحققون إذا؟ ولعل ابن محمود كتب هذا الكلام وهو في حالة لا يشعر معها بما كان يكتبه.
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس» رواه الإمام أحمد، والبخاري ومسلم، من حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-، وثبت نحوه عن عدد كثير من الصحابة -رضي الله عنهم- رووا ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكرتُ هذه الأحاديث في كتابي " إتحاف الجماعة، بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة" في "باب ما جاء في الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة" فلتراجع هناك.