وابن حبان، ومستدرك الحاكم، وغيرها من المسانيد والمستخرجات والمعاجم شيء كثير من الأحاديث الصحيحة، ولا أظن أن عاقلا يقول: إن ما لم يذكره البخاري، ومسلم، والنسائي، والدارقطني، والدارمي في كتبهم فإنه لا يكون صحيحًا، لِم يترتب على ذلك من أبطال كثير من السنن.
الوجه الثاني: أن يقال: قد روي مسلم في صحيحه ثلاثة أحاديث في ذكر الخسف بالجيش الذي يغزو الكعبة، وروى البخاري حديثًا منها، وفيها إشارة إلى المهدي، وقد تقدم بيان ذلك قريبًا (?)، وتقدم أيضًا ما رواه مسلم عن جابر وأبي سعيد -رضي الله عنهما- في ذكر الخليفة الذي يكون في آخر الزمان يحثي المال حثيا ولا يعده عدًا، وهي ثلاثة أحاديث، وفيها إشارة إلى المهدي كما تقدم بيانه (?).
وأما قوله: وما ذاك إلا لعلمهم بضعفها.
فجوابه: أن يقال: إثبات علمهم بضعفها يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك، وليس مع من ادعى علمهم بضعفها سوى اتباع الظن، وقد قال الله -تعالى-: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}، وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث».
وأما قوله: مع العلم أن الدارمي هو شيخ أبي داود والترمذي، وقد نزَّه مسنده عن أحاديث المهدي فلا ذكر لها فيه.
فجوابه: أن يقال: إن شيوخ أبي داود والترمذي كثيرون جدًا، وبعض الشيوخ يروي من الأحاديث ما ليس عند الآخرين، فلا يبعد أن يكون الدارمي لم يرو شيئًا من أحاديث المهدي، وقد يكون روى منها وترك ذكرها عمدًا، كما ترك أحاديث الإيمان، والمناقب، وتفسير القرآن، والفتن والملاحم، وأشراط الساعة، فلم يذكرها في كتابه، ويبعد أن يكون لم يرو في ذلك شيئًا، فهل يقول ابن محمود أن الدارمي قد نزه كتابه عن ذكر الأحاديث في الإيمان، والمناقب، والتفسير، والفتن والملاحم، وأشراط الساعة، كما قد قال ذلك في أحاديث المهدي؟ أم يخص التنزيه بأحاديث المهدي فقط تقليدًا لرشيد رضا، ومحمد فريد وجدي، وأحمد أمين، وأضرابهم من العصريين، الذين لا يبالون برد الأحاديث الصحيحة إذا خالفت أفكارهم أو أفكار من يعظمونه من الغربيين وأتباع الغربيين؟ والذي لا يشك فيه أن التقليد لمن ذكرنا هو