الدجالين المنحرفين فإنه يسمى نفسه بالمهدي، ويتبعه على دعوته الهمج السذج، والغوغاء الذين هم عون الظالم ويد الغاشم في كل زمان ومكان".
وأقول: إن دعوى المدعين للمهدية كذبًا وزورًا مثل دعوى الدجالين للنبوة، فكما لا تقدح دعوى الدجالين في دلائل نبوة الأنبياء فكذلك دعوى المدعين للمهدية كذبًا وزورًا لا تقدح في الأحاديث الثابتة في المهدي ولا تؤثر فيها، وإذا فليس لابن محمود متعلق في توهين أحاديث المهدي بدعوى المدعين للمهدية كذبًا وزورًا.
ومن ذلك قوله في صفحة (85): "فلا حاجة للمسلمين في أن يهربوا عن واقعهم ويتركوا واجبهم لانتظار مهدي يجدد لهم دينهم ويبسط العدل بينهم، فيركنوا إلى الخيال والمحالات، ويستسلموا للأوهام والخرافات، ثم يفرض عليهم علماؤهم التحرج الفكري والجمود الاجتماعي على اعتقاد ما تربوا عليه في صغرهم، وما تلقوه عن آبائهم ومشايخهم، أو على رأي عالم أو فقيه يوجب الوقوف على رأي مذهبه وعدم الخروج عنه، وعلى أثره يوجب عليهم الإيمان بشخص غائب هو من سائر البشر، يأتي في آخر الزمان فينقذ الناس من الظلم والطغيان".
وأقول: لا يخفى ما في هذا الكلام الباطل من المجازفة في رد الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي والاستخفاف بشأنها، حيث زعم أن التصديق بخروج المهدي في آخر الزمان من الركون إلى الخيال والمحالات، والاستسلام للأوهام والخرافات، كذا قال ابن محمود -هدانا الله وإياه- وكذا قابل الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه المقابلة السيئة، وقد تقدم الرد على كلماته النابية مبسوطًا في آخر الكلام على ما يتعلق بالمهدي فليراجع (?).
ومن ذلك قوله في الحديث عن يأجوج ومأجوج في صفحة (74) وصفحة (75): "فالمسلمون يصدقون بوجودهم بلا شك، ولكنهم يخوضون في أمرهم وفي مكان وجودهم وفي صفة خلقهم، مع علمهم أنهم من نسل آدم بل ومن ذرية نوح، وأوصافهم لا تنطبق على أوصاف الملائكة ولا على أوصاف بني آدم، ولا يدرون كيف يخرجون على الناس، أينزلون عليهم من السماء، أم ينبعون من الأرض؟! لعلمهم أن الناس قد اكتشفوا سطح الأرض كلها فلم يروهم ولم يروا سدًا، وتسلط بعض الملاحدة على التكذيب بالقرآن من أجلهم، وقالوا إن القرآن يذكر أشياء لا وجود لها".