كالقحطاني والجهجاه والخليفة الذي يحثو المال حثوًا، وكذلك خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام-، وخروج يأجوج ومأجوج، فكل هؤلاء من باب واحد يجب الإيمان بخروجهم في آخر الزمان وإن كانوا الآن في عالم الغيب، ومن أنكر خروجهم أو خروج أحد منهم ورد الأحاديث الثابتة في ذلك فإنما يرد على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن ذلك زعمه في صفحة (41) وصفحة (42) أن المهدي خيال غيبي يوجد في الأذهان دون الأعيان، وهذا من مجازفاته.
ومن ذلك أنه في صفحة (42) قال: "روى أبو داود في سننه عن طريق أبي نعيم عن علي -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلا منا يملؤها عدلا كما ملئت جورًا» قال: ورواه الإمام أحمد عن طريق أبي نعيم، ورواه الترمذي أيضًا".
وأقول: إن ابن محمود قد أبدل رواية أبي داود برواية الإمام أحمد ونسبها لأبي داود، وهذا خطأ، ثم زعم أن الترمذي رواه وهو لم يروه، وإنما أشار إليه بعد إيراده لحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- حيث قال: "وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة"، وهذا خطأ آخر، ثم قدح في صحة حديث علي -رضي الله عنه- بدون ذكر علة في إسناده يسوغ بها القدح فيه، وهذا خطأ ثالث، ثم زعم أنه على فرض صحته فإنه لا مانع من جعل الرجل الذي يملأ الأرض عدلا من جملة المسلمين الذين مضوا وانقضوا، وهذا خطأ رابع، ثم أبدى احتمالا أن قوله "مِنَّا" من أهل ديننا وملتنا، وهذا خطأ خامس، وأبدى احتمالا آخر أنه من المحال وجود رجل يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورًا، وهذه خطأ سادس، وبعد فهذا هو التحقيق المعتبر عند ابن محمود، ومن كان هذا تحقيقه للأحاديث فأحسن الله عزاءه فيما أضاع من العلم، وقد تقدم الجواب عن هذه الأضغاث في أثناء الكتاب فليراجع (?).
ومن ذلك قوله في صفحة (43): "ولا يمتنع كونه – أي المهدي– من جملة الخلفاء السابقين".
وأقول: بل ذلك ممتنع بالنص على أن المهدي من أهل بيت النبي، وبالنص على أنه يخرج في آخر الزمان.