وإذا علم أن الذي قد فتح من ردم يأجوج ومأجوج في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل موضع الدرهم، فهل يقول عاقل إن معناه ما كان بين المسلمين وبين الروم من القتال في يوم مؤتة؟ وهل يقول عاقل إنه كان بين المسلمين وبين الروم سد من حديد فتح منه يوم مؤتة مثل موضع الدرهم فخرج منه يأجوج ومأجوج على المسلمين؛ أي من هذا الثقب الضيق الذي هو مثل موضع الدرهم؟ كلا، لا يقول ذلك مؤمن، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله - عز وجل- أنه سيوحي إلى عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- بعد قتل الدجال: «إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم»، فلو كان الذين قاتلهم الصحابة يوم مؤتة من يأجوج ومأجوج لما كان للصحابة -رضي الله عنهم- يدان بقتالهم، ولأهلكوا كل ما أتوا عليه.
وأيضًا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فزع واحمر وجهه لما فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل موضع الدرهم وقال: «ويل للعرب من شر قد اقترب»، وأما الروم فإنه لم يذكر عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه فزع منهم ولا بالى بهم، وقد أرسل إليهم جيشًا من أصحابه يوم مؤتة فبدأوهم بالقتال، وقد فتح الله عليهم مع قلة عددهم وكثرة الروم، ثم سار - صلى الله عليه وسلم - بنفسه في غزوة تبوك يريد قتالهم ورجع من تبوك إبقاء على أصحابه لما نالهم من الجهد والمشقة، ثم جهَّز جيشًا وأمَّر عليهم أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- وأمره أن يسير إلى الروم، ومات - صلى الله عليه وسلم - وجيش أسامة مخيم حول المدينة فنفذه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فساروا إلى الشام وقتلوا من الروم وغنموا منهم، ثم غزاهم المسلمون في زمن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- وأجلوهم من الشام إلى القسطنطينية، وضربوا الجزية على من بقي منهم في الشام، وغزوا كثيرًا من الأمم التي زعم ابن سعدي ومن قلده أنهم من يأجوج ومأجوج، وظهروا عليهم وغنموا أموالهم وسبوا ذراريهم ونساءهم، ولم يبال المسلمون بأحد من تلك الأمم، ولو كانوا من يأجوج ومأجوج لما أطاقوا قتالهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الله -تعالى- يوحي إلى عيسى ابن مريم بعد قتله للدجال: «إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرِّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون»، وأخبر - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر أنهم إذا خرجوا لا يأتون على شيء إلا .................................................