الوجه الرابع: أن يقال: إن ابن محمود قد تصرف في سياق الحديث الذي فيه الإخبار عن قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة -رضي الله عنهم- فقدَّم جعفرًا على زيد بن حارثة وزاد في آخر الحديث وغيَّر فيه، وقد رواه البخاري في مواضع من صحيحه ولفظه في "كتاب الجنائز" في "باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه" عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، وإن عيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتذرفان، ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له»، ورواه في "كتاب المغازي" في "باب غزوة مؤتة من أرض الشام" ولفظه عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم»، ورواه في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في "باب مناقب خالد بن الوليد -رضي الله عنه-" بنحوه.
وأما قوله: وهذا هو مبدأ تحركهم لقتال المسلمين والخروج عليهم.
فجوابه: أن يقال: ليس الأمر كما زعمه ابن محمود، وإنما هذا مبدأ تحرك المسلمين لقتال الروم والسير إليهم في بلادهم، فأما يأجوج ومأجوج فلا يتصل بهم أحد حتى يدنو قيام الساعة فيجعل الله السد دكاء، وحينئذ يخرجون على الناس ويموج بعضهم في بعض كما قال -تعالى-: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}.
وأما قوله: وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا».
فجوابه: أن يقال: هذا من التقوُّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحمل كلامه على غير المراد به، وقد جاء في حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان -رضي الله عنهما- عن زينب بنت جحش -رضي الله عنها- قالت: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فزعًا محمرًا وجهه يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وحلَّق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، وذكر تمام الحديث رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجة، وفي رواية لأحمد قالت: دخل علىَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عاقد بأصبعيه السبابة بالإبهام وهو يقول: «ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل موضع الدرهم».