يتصل بهم الناس ولا يخالطونهم ولا يعرفون عنهم شيئًا، وهذا معلوم البطلان بالضرورة عند كل عاقل.
يوضح ذلك الوجه الخامس: وهو أن الأمم الذين ذكرهم ابن سعدي وزعم أنهم هم يأجوج ومأجوج قد كانوا موجودين في جميع الجهات شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالاً منذ أزمان طويلة لا يعلم ابتداءها إلا الله -تعالى-، ولم يحصرهم سد من حديد يمنعهم من الخروج والاختلاط بغيرهم من الأمم، بل كان الناس يذهبون إلى أوطانهم ويخالطونهم في قديم الدهر وحديثه، ولو كان الأمر على ما زعمه ابن سعدي من أنهم هم يأجوج ومأجوج لَما قدر الناس على الذهاب إليهم والاختلاط بهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن يأجوج ومأجوج إذا خرجوا على الناس يطئون البلاد، فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه، وأخبر أيضًا أن أوائلهم يمرون على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء، وأخبر أيضًا أنه لا يدان لأحد بقتالهم، وأخبر أيضًا أنهم يحصرون نبي الله عيسى وأصحابه فيدعو عليهم عيسى وأصحابه فيهلكهم الله، وأخبر أيضا أنه بعد عيسى ابن مريم لو أن رجلا أنتج فرسًا لم يركب مهرها حتى تقوم الساعة، وأخبر أيضًا أن الله -تعالى- عهد إلى عيسى أنه بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم فإن الساعة كالحامل المُتم لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادها ليلا أو نهارًا، وأخبر أيضًا أن خروجهم من الآيات العشر التي تكون بين يدي الساعة، وأخبر أيضًا أن خروج هذه الآيات يتتابع كما يتتابع الخرز في النظام، وكل ما ذكر في هذه الأحاديث وفي غيرها من الأحاديث الواردة في يأجوج ومأجوج لا ينطبق على أمم الكفار الموجودين الآن، والذين قد خالطهم الناس وعرفوهم حق المعرفة، وجرت بينهم وبينهم المعاهدات والمعاملات التجارية وعقود الشركات وغيرها من الأعمال الدنيوية، ومن تأمل الأحاديث الواردة في يأجوج ومأجوج رأى فيها أبلغ رد على ابن سعدي، وعلى من قلده وأخذ بقوله.
وأما قوله: فإنه دل الكتاب والسنة دلالة بينة صريحة أن يأجوج ومأجوج من أولاد آدم، وأنهم ليسوا بعالم آخر غيبي، كالجن ونحوهم ممن حجب الآدميون عن رؤيتهم والاحساس في الدنيا بهم.
فجوابه: أن يقال: لا شك أن يأجوج ومأجوج من ذرية آدم، وقد ذكرت قريبًا (?)