الوجه الثاني: أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن بعض صفات يأجوج ومأجوج بما يخالف أكثر الأمم الذين ذكرهم ابن سعدي، وذلك فيما رواه الإمام أحمد، والطبراني عن ابن حرملة، عن خالته -رضي الله عنها- قالت: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب، فقال: «إنكم تقولون لا عدو، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدوًا حتى يخرج يأجوج ومأجوج، عراض الوجوه، صغار العيون، صهب الشعاف، من كل حدب ينسلون، كأن وجوههم المجان المطرقة» رواه الإمام أحمد، والطبراني، قال الهيثمي: "ورجالهما رجال الصحيح".

الشعاف: الشعور.

ولا يخفى أن الألمان والإيطاليين والفرنسيين والإنجليز والأمريكان ليسوا عراض الوجوه صغار العيون، وكذلك أكثر الأمم من غيرهم، فصفات يأجوج ومأجوج لا تنطبق على أكثر الأمم التي ذكرها ابن سعدي.

الوجه الثالث: أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر في حديث ابن حرملة عن خالته أن المسلمين لا يزالون يقاتلون عدوًا حتى يخرج يأجوج ومأجوج، وجاء نحو ذلك فيما رواه الإمام أحمد، وابن سعد، والبخاري في تاريخه، والنسائي والطبراني، وابن مردويه، عن سلمة بن نفيل الكندي -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ولا تضع الحرب أوزارها حتى يخرج يأجوج ومأجوج»، ومن المعلوم أن المسلمين قد قاتلوا كثيرًا من أمم الكفار في أول الإسلام وفيما بعد ذلك، واستولوا على كثير من الممالك شرقًا وغربًا وجنوبا وشمالا، ولم يزل القتال بين المسلمين وبين أعدائهم من الكفرة، ولا يزال الجهاد ماضيًا حتى ينزل عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- فيقتل الدجال وجنوده، ويقاتل الناس على الإسلام، فإذا خرج يأجوج ومأجوج وضعت الحرب أوزارها، ولو كان الأمر على ما ذهب إليه ابن سعدي لكانت الحرب قد وضعت أوزارها في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكان الدجال قد خرج قبل ذلك، ونزل نبي الله عيسى -عليه الصلاة والسلام- فقتل الدجال وقاتل الناس على الإسلام قبل غزوة مؤتة، وهذا لا يتصوره عاقل فضلا عن أن يتفوه بذلك.

الوجه الرابع: أن يقال: ما زعمه ابن سعدي من ظهور الترك والروس ودول البلقان والألمان وإيطاليا والفرنسيين والإنجليز واليابان والأمريكان ومن تبعهم من الأمم، يقتضي أن تكون هذه الدول محازة بسد من حديد قبل ظهورهم على الناس، فلا ................

طور بواسطة نورين ميديا © 2015