ولا تسرحوا في الفكرة، فإن يأجوج ومأجوج عن أيمانكم وعن شمائلكم ومن خلفكم، فما هم إلا أمم الكفار على اختلاف أجناسهم وأوطانهم، والتي تداعي عليكم كتداعي الأكلة على قصعتها، وقد أقبلوا عليكم من كل حدب ينسلون، حين استدعاهم استنشاق رائحة البترول في بلدان العرب المسلمين، وهذا هو حقيقة الفتح لهم، والذي عناه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري ومسلم، عن زينب بنت جحش قالت: خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فزعًا قد احمرَّ وجهه، وهو يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا» وقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، فقلنا: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: «نعم، إذا كثر الخبث». وكان ابتداء حركتهم في ظهورهم على المسلمين، من غزوة مؤتة حين غزاهم المسلمون لدعوتهم إلى الإسلام، ثم صار ظهورهم يزداد عامًا بعد عام. وقد روي الإمام أحمد وأبو داود، عن ثوبان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعت الأكلة على قصعتها»، قالوا: يا رسول الله، أمِن قلة نحن يومئذ؟! قال: «لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ينزع الله مهابة عدوكم منكم، ويسكنكم مهابتهم، ويلقي في قلوبكم الوهن»، قالوا: وما الوهن، يا رسول الله؟ قال: «حب الدنيا، وكراهة الموت». ولما أخرج الشيخ عبد الرحمن بن سعيد -رحمه الله- رسالته في تحقيق أمر يأجوج ومأجوج على صفة ما ذكره في تفسيره واستنباطه، أنكر عليه بعض العلماء ذلك واتهموه بأنه يُكذِّب بالقرآن، واستدعي للمحاكمة زمن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن -رحمه الله- فبرهن عن حقيقة رسالته، وأنها تصدق القرآن وتزيل اللبس والشك عنه، وترد على الملحدين قولهم وسوء اعتقادهم، لهذا تبين للعلماء حسن قصده، وزال عن الناس ظلام الأوهام وضلال أهل الزيغ والبهتان، وصار لهذه الرسالة الأثر الكبير في إخماد نار الفتنة بيأجوج ومأجوج، حتى استقر في أذهان العلماء والعوام صحة ما قاله بمقتضى الدليل والبرهان، ونحن نسوق فقرات من رسالته للاتعاظ بها والانتفاع بعلمها".
والجواب: أن يقال: أما قول ابن محمود في السفاريني: إنه حاطب ليل يجمع الغث والسمين والصحيح والسقيم، فهو مما ينطبق عليه المثل المشهور وهو قولهم: "يرى القذاة في عين أخيه، ولا يرى الجذع في عينه"، فابن محمود أولى أن يوصف بأنه حاطب ليل ولا سيما في رسالته في المهدي ويأجوج ومأجوج، فقد جمع فيها ................................