وإذا لم يقع شيء من الأمور العظام التي ذكرنا، فمن أبطل الباطل وأقبح الجهل والتخرص واتباع الظن ما جزم به طنطاوي جوهري في قوله إن يأجوج ومأجوج هم التتار الذين خرجوا على المسلمين في أثناء القرن السابع من الهجرة وما بعده، وقد تبعه على باطله وجهله صاحب "دليل المستفيد، على كل مستحدث جديد" فزعم أن التتار هم أوائل يأجوج ومأجوج، وزعم في موضع آخر من كتابه أن يأجوج ومأجوج قد تفرقوا في الأرض وصاروا دولا في آسيا وأوربا وأمريكا، وقد تقدم عن الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي أنه صرَّح بتكفير من قال بهذا القول، ومن المعلوم عند كل عاقل أن دول آسيا وأوربا وأمريكا لم تزل في أماكنها منذ زمان طويل، وأنه ليس بينهم وبين غيرهم سد من حديد يمنعهم من الخروج والاختلاط بغيرهم من الناس.
فصفة يأجوج ومأجوج لا تنطبق على الدول المعروفة الآن، وقد تقدم في عدة أحاديث صحيحة أن يأجوج ومأجوج إنما يخرجون بعد نزول عيسى -عليه الصلاة والسلام- وقتل الدجال، وأنهم لا يمكثون بعد خروجهم على الناس إلا مدة يسيرة، ثم يدعو عليهم نبي الله عيسى فيهلكهم الله جميعًا كموت نفس واحدة، فهم بلا شك أمة عظيمة، قد حيل بينهم وبين الخروج على الناس بالسد الذي بناه ذو القرنين، وهذا السد لا يندك إلا إذا دنا قيام الساعة، كما أخبر الله بذلك في كتابه العزيز.
وأما كون السائحين في الأرض لم يروا يأجوج ومأجوج ولا سد ذي القرنين، فلا يلزم منه عدم السد ويأجوج ومأجوج، فقد يصرف الله السائحين عن رؤيتهم ورؤية السد، وقد يجعل الله فوق السد ثلوجًا متراكمة بحيث لا تمكن رؤية السد معها، أو يجعل الله غير ذلك من الموانع التي تمنع من رؤية يأجوج ومأجوج ورؤية السد.
والواجب على المسلم الإيمان بما أخبر الله به في كتابه عن السد ويأجوج ومأجوج، وما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، ولا يجوز للمسلم أن يتكلف ما لا علم له به، ولا يقول بشيء من أقوال المتكلفين المتخرصين، بل ينبذها وراء ظهره ولا يعبأ بشيء منها.
والمقصود ههنا بيان أن إنكار السد ويأجوج ومأجوج بالكلية كفر بلا شك، لما في ذلك من تكذيب ما أخبر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عن السد ويأجوج ومأجوج، وأما الاعتراف بوجود السد في قديم الزمان، والقول بزواله بعد زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -، .........................