والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن أقول: إني لم أر لأحد من العلماء المحققين، لا من المتقدمين منهم ولا من المتأخرين أنه طعن في الصحاح والحسان من الأحاديث الواردة في المهدي، فضلا عن القول ببطلانها وإسقاطها عن درجة الاعتبار وتحذير الأمة منها، وإنما المعروف عنهم القول بتصحيح الصحيح منها وتحسين الحسن وتضعيف الضعيف ورد الواهي والمنكر والموضوع، وقد ذكرت في أول الكتاب تسعة أحاديث من الصحاح والحسان، وذكرت لبعضها عدة طرق مما رواه الثقات وصححه بعض الحفاظ فلتراجع (?)، ففيها أبلغ رد على ما موَّه به ابن محمود في زعمه أن المحققين من علماء المسلمين قد بينوا بطلانها وأسقطوها عن درجة الاعتبار وحذروا الأمة منها.
الوجه الثاني: أن أقول: قد ذكرت في أول الكتاب ما صححه الحفاظ النقاد من الأحاديث الواردة في المهدي، وما صرح به بعضهم من القول بأن أحاديث المهدي متواترة، فليراجع ما تقدم (?)، ففيه أبلغ رد على ما نسبه ابن محمود للمحققين من علماء المسلمين.
الوجه الثالث: أن يقال: قد يظن بعض الناس أن ابن محمود أراد بالمحققين أئمة الجرح والتعديل الذين يعتمد الناس على أقوالهم في صحة الأسانيد أو ضعفها؛ مثل شعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأبي زرعة، وأبي حاتم الرازي، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، وأمثالهم من الجهابذة النقاد، وكذلك من كان بعدهم من الأئمة الذين صنفوا في الجرح والتعديل، وبينوا أحوال الرواة، وميزوا الأحاديث الصحيحة والأحاديث الحسنة من الأحاديث الضعيفة والأحاديث المنكرة والواهية والموضوعة، وما يدرون أن ابن محمود أراد بالمحققين أفرادًا من العصريين؛ مثل رشيد رضا، ومحمد فريد وجدي، وأحمد أمين، وأمثالهم من العصريين الذين يخبطون خبط عشواء في الحكم على الأحاديث، فما وافق أفكارهم قبلوه ولو كان ضعيفًا أو موضوعًا، وما خالف أفكارهم لم يبالوا برده وإطراحه ولو كان صحيحًا أو حسنًا، وكل حديث لا يتفق مع ثقافتهم الغربية وتفكيراتهم الخاطئة .........................