وكل رأي خالف الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو فاسد ومردود على صاحبه، وكذلك لا يخفى ما في كلامه من دعوى العلم والدين وتزكية النفس بذلك، وقد قال الله -تعالى-: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.
وقال ابن محمود في صفحة (58): "ودعوى المهدي في مبدئها ومنتهاها مبنية على الكذب الصريح والاعتقاد السيئ القبيح، وهي في الأصل حديث خرافة يتلقفها واحد عن آخر، وقد صيغت لها الأحاديث المكذوبة سياسة للإرهاب والتخويف، حيث غزا بها قوم على آخرين، وإلا فمن المعلوم قطعًا أن الرسول الكريم لن يفرض على أمته التصديق برجل من بني آدم مجهول في عالم الغيب، ليس بملك مقرب ولا نبي مرسل ولا يأتي بدين جديد من ربه مما يجب الإيمان به، ثم يترك أمته يتقاتلون على التصديق والتكذيب به إلى يوم القيامة. إن هذا من المحال أن تأتي الشريعة به؛ إذ هو جرثومة فتنة دائمة ومشكلة لم تحل، والرسول جاء بمحاربة الفتن وقال: «أعوذ بالله من مضلات الفتن»، وقال: «لقد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك»، وقال: «لقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله»، وقال: «إياكم ومحدثات الأمور». والمهدي واعتقاده هو من محدثات الأمور".
والجواب: أن يقال: أما قوله: إن دعوى المهدي في مبدئها ومنتهاها مبنية على الكذب الصريح والاعتقاد السيئ القبيح.
فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن يقال: هذه مجازفة قبيحة جدًا وليس الأمر على ما زعمه ابن محمود، بل إن القول بظهور المهدي في آخر الزمان ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - برواية الثقات عن الثقات، ولا يرد الأحاديث الثابتة فيه إلا من هو مكابر لا يبالي بمعارضة النبي - صلى الله عليه وسلم - ورد الأحاديث الثابتة عنه.
الوجه الثاني: أن يقال: إن الكذب الصريح والاعتقاد السيئ القبيح في الحقيقة هو قول المكابر: إن دعوى المهدي مبنية على الكذب والاعتقاد السيئ، وإنها في الأصل حديث خرافة، وإنها قد صيغت لها الأحاديث المكذوبة.
الوجه الثالث: أن يقال: كيف يستجيز المسلم أن يصف الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها كذب صريح، وأن اعتقاد ما جاء فيها اعتقاد سيئ قبيح، إن هذا القول الباطل المستهجن لإحدى الكبر من مجازفات ابن محمود التي قالها من غير ...................