الوجه الرابع: إن ابن محمود زعم أنه متى حاول أحد جمع أحاديث المهدي نتج له منها عشرون مهديًا، صفة كل واحد غير الآخر، وأقول: هذه مغالطة مردودة بالأحاديث الثابتة في المهدي؛ لأنها تدور على شخص واحد يخرج في آخر الزمان، حتى لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعثه الله فيه، وهو من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعترته، وهو أجلى وأقنى، وهو الذي يخرج من المدينة هاربًا إلى مكة، فيبايع له بين الركن والمقام، وهو الذي يعمل بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا، وهو من الخلفاء الذين يستقيم بهم الدين، وأما الذي جاء فيه أنه يخرج من وراء النهر يقال له الحارث فليس هو المهدي، وإنما هو من أعوان المهدي وأنصاره، وقد سمَّاه ابن محمود الحارث بن حران بالنون وكرر ذلك في ثلاثة مواضع من رسالته، وصوابه "الحارث حراث" بالثاء المثلثة أي زرَّاع، وهذه صفة له وليست اسمًا لأبيه كما توهم ذلك ابن محمود، وقد ذكرت قريبًا أن الحديث الوارد فيه ضعيف الإسناد، وأما الذي أخواله من كلب فليس بمهدي، وإنما هو الذي يبعث الجيش لقتال المهدي فيهزمهم المهدي وأصحابه ويظهرون عليهم، وأما الحديث الذي فيه «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم» فهو ضعيف جدًا، وإنما أورده ابن محمود ههنا للمغالطة، وكذلك إيراده للحارث، والذي أخواله من كلب، فكل ذلك للمغالطة، بل كل ما ذكره من تعدد المهديين فكله تلبيس ومغالطة.

الوجه الخامس: أن يقال: إن ابن محمود لم يذكر في أغلوطته واستنتاجه سوى عشرة من الذين زعم أنه يقال إنهم مهديون ولم يستنتج بقية العشرين، ولو وجد إلى ذلك سبيلا لبادر إلى ذكرهم للاستكثار بذلك من المغالطة والتشكيك في أحاديث المهدي، ثم إن العشرة الذين استنتجهم يرجعون في الحقيقة إلى أربعة؛ وهم المهدي الذي تنطبق عليه جميع الأحاديث الثابتة في المهدي، والحارث الذي هو من أعوان المهدي وأنصاره وليس بمهدي، والرجل الذي أخواله من كلب وليس بمهدي، وما جاء في الحديث الضعيف أنه لا مهدي إلا عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام-. وبهذا يضمحل ما روَّجه ابن محمود من تعدد المهديين، ويعود الأمر إلى الحقيقة الثابتة عند أهل العلم، وهي أن جميع الصفات والعلامات المذكورة في الأحاديث الثابتة تدور على شخص واحد، يخرج في آخر الزمان ويسمى بالمهدي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015