إلى هذه الحالة التي يرثى لصاحبها، فإنه يحرم عليه أن يتهجم على أحاديث المهدي، ويحكم عليها بالوضع، ويصفها بالصفات الذميمة، فقد قال الله -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}. ومن رزقه الله أدنى علم ومعرفة وكان سالمًا من اتباع الهوى والتقليد للعصريين لم يعسر عليه حصول الأحاديث الصحيحة الصريحة في المهدي {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}.

ويقال أيضًا: لا يخفى ما في كلام ابن محمود من التلبيس والمغالطة، وبيان ذلك من وجوه؛ أحدها: إنه حكم على أحاديث المهدي كلها بأنها غير صحيحة ولا صريحة ولا متواترة بالمعنى، وأقول: هذا مردود بما ذكرته في أول الكتاب من الأحاديث التي بعضها من الصحاح وبعضها من الحسان، وقد جاء التصريح باسم المهدي في سبع روايات عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، وفي حديثين عن علي -رضي الله عنه-، وفي حديثين عن أبي هريرة وجابر -رضي الله عنهما-، فليراجع ما ذكرته في أول الكتاب (?)، ففيه أبلغ رد على قول ابن محمود إن أحاديث المهدي كلها غير صحيحة ولا صريحة، وليراجع أيضا ما ذكرته في أول الكتاب (?) عن عدد كثير من أكابر العلماء أنهم صححوا بعض أحاديث المهدي، وما صرح به بعضهم من أنها متواترة، ففي ذلك أبلغ رد على قول ابن محمود إنها غير صحيحة ولا متواترة.

الوجه الثاني: إن ابن محمود زعم أن أحاديث المهدي متعارضة ومتخالفة، وأقول: هذا غير صحيح؛ لأنه ليس بين الأحاديث الثابتة في المهدي تعارض ولا تخالف البتة، وإنما التعارض والتخالف في الأفهام القاصرة، وقد تقدم الجواب عن هذا الزعم الباطل مع الكلام على قول ابن محمود في صفحة (6): ومنها تناقض هذه الأحاديث وتعارضها. فليراجع ذلك في أول الكتاب (?).

الوجه الثالث: إن ابن محمود زعم أن غالب أحاديث المهدي حكايات عن أحداث، وأقول: هذا غير صحيح، فإن الأحاديث الثابتة في المهدي كلها تدل على خروجه في آخر الزمان، وأما الأحداث التي وقعت من الذين ادَّعوا المهدية كذبًا وزورًا فلا علاقة لها بأحاديث المهدي، وليس شيء من أحاديث المهدي ينطبق عليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015