الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر، وفي رواية: والمؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم"، ولم يذكر شيئًا من هذه الأحاديث التي هي من عالم الغيب، ولهذا تحاشى البخاري ومسلم عن إدخال شيء من أحاديث المهدي في صحيحيهما؛ لكون الغالب عليها الضعف والوضع".
والجواب: أن يقال: إن أبا داود قد روي هذا الحديث من طريق عمر بن عبيد، وأبي بكر بن عياش، وسفيان الثوري، وزائدة بن قدامة، وفطر بن خليفة، كلهم عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد اقتصر ابن محمود على ذكر سفيان الثوري وأعرض عن ذكر الباقين، وهذا خطأ ظاهر، ثم إنه أورد رواية زائدة، وما زاده فطر في الحديث زعم أنها رواية سفيان، وهذا خطأ آخر، فأما حديث سفيان فلفظه عند أبي داود: «لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي». قال أبو داود: "لفظ عمر وأبي بكر بمعنى سفيان".
وقد رواه الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة، وعمر بن عبيد، كلاهما عن عاصم، ورواه أيضًا عن يحيى بن سعيد- وهو القطان- عن سفيان- وهو الثوري- عن عاصم، ورواه الترمذي من طريق الثوري، ومن طريق سفيان بن عيينة، كلاهما عن عاصم، وقال في كل منهما: "حسن صحيح"، قال: "وفي الباب عن علي، وأبي سعيد، وأم سلمة، وأبي هريرة".
وأما قوله: إن علماء الحديث قد تحاشوا عن كثير من أحاديث أهل البيت؛ كهذه الأحاديث وأمثالها؛ لكون الغلاة قد أكثروا من الأحاديث المكذوبة عليهم.
فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن يقال: هلاَّ ذكر ابن محمود علماء الحديث الذين تحاشوا عن كثير من أحاديث أهل البيت، حتى ينظر في كلامه هل هو صحيح أم لا؟ فأما التقول على علماء الحديث بمجرد الدعوى فذلك مردود عليه.
الوجه الثاني: أن يقال: ليس في رواة هذا الحديث الصحيح أحد من أهل البيت ولا من الغلاة في أهل البيت، ورواته كلهم ثقات، فتعرض ابن محمود له خطأ محض.
الوجه الثالث: أن يقال: إن العلماء لم يتحاشوا عن الروايات الصحيحة عن أهل البيت، ففي الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم أحاديث كثيرة جدًا عنهم، كما لا يخفى على من له أدنى إلمام بالحديث.