إجابته». ثم أجاب ابن محمود بقوله: إن هذا الحديث هو من جملة ما أورده أبو داود في سننه، وإنه يبعد كل البعد عن المعنى الذي أرادوا، فليس فيه ذكر للمهدي قطعًا لا باللفظ ولا بالمعنى، فليس هو بصحيح ولا بصريح ولا متواتر، وإن أمارات الكذب تلوح عليه جلية؛ إذ لا يوجب الرسول على أمته البيعة لرجل مجهول اسمه الحارث يخرج من وراء النهر، ويوطئ الملك لآل محمد".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن ابن محمود قد صحَّف في هذا الحديث وغيَّر فيه، فقال: «الحارث بن حران»، وصوابه «الحارث حراث» أي زراع، وقال أيضًا: «وجبت على كل مؤمن نصرته»، وصوابه «وجب على كل مؤمن نصره».
الوجه الثاني: أن يقال: هذا الحديث ضعيف الإسناد فلا يعتمد عليه.
الوجه الثالث: أن يقال: لو فرضنا أن الحديث صحيح، فليس الحارث هو المهدي الذي يبايع له كما قد توهم ذلك ابن محمود، وإنما هو من أنصار المهدي كما يدل على ذلك قوله في الحديث: «يوطئ أو يمكن لآل محمد».
وقال ابن محمود في صفحة (48): "والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأهل بيته: «إنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تروني على الحوض» ".
والجواب: أن يقال: هذا من الأوهام التي حصلت لابن محمود بعد توسعه في العلوم والفنون، وهو خلاف الواقع في الحقيقة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقل هذه المقالة لأهل بيته، وإنما قالها للأنصار، حين قسم غنائم حنين، فأعطى المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئًا، فوجدوا في أنفسهم إذ لم يصبهم ما أصاب الناس من الغنيمة، فخطبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر لهم ما أنعم الله به عليهم من الهداية بسببه والإلفة والغنى، ثم قال في آخر خطبته: «إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض»، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من طرق عن أنس بن مالك وعبد الله بن زيد بن عاصم -رضي الله عنهما-.
وفي الصحيحين وغيرهما عن أسيد بن حضير -رضي الله عنه- أن رجلا من الأنصار قال: يا رسول الله، ألا تستعملني كما استعملت فلانًا؟ فقال: «إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض».
وفي صحيح البخاري أيضًا عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصار ليكتب لهم بالبحرين، فقالوا: لا والله حتى تكتب لإخواننا من قريش .............