وهذه الشطحات التي زعم قائلها أنها من التحقيق المعتبر لأحاديث المهدي ومن شرح أحاديثه بما لا مزيد عليه، هي مما حصل لابن محمود بعد توسعه في العلوم والفنون.
وأما قوله: وقد صارت دعوى المهدي والاتصاف بالأوصاف المذكورة مركبًا للكذابين الدجالين، فكل واحد منهم يحاول أن يكون هو، فيقع الناس في مشكلة لم تحل، وفتنة لا تنتهي، يتوارثها جيل بعد جيل حتى تقوم الساعة.
فجوابه: أن يقال: قد ادعى النبوة أناس كثيرون، ولم تكن دعواهم قادحة في نبوة الأنبياء ولا مؤثرة فيها بشيء، فكذلك دعوى المدعين للمهدية كذبًا وزورا، لا تقدح في الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، ولا تؤثر فيها بشيء، وكلما ادعى النبوة أو المهدية أحد من الكذابين فضحه الله وأخزاه، وحل مشكلته وأزال فتنته، ولم تدم مشاكل المدعين للنبوة ولا مشاكل المدعين للمهدية وفتنهم، ولا توارثتها الأجيال، وإنما تقع في الحين بعد الأحيان الكثيرة ثم تنقطع، وقد يكون لبعضهم اتباع من الهمج الرعاع؛ كالقاديانية، والبابية، وأشباههم ممن هم أضل سبيلا من الأنعام، وهؤلاء خارجون من الإسلام وإن ادعوا أنهم من أهله.
وأما قوله: حتى تقوم الساعة.
فجوابه: أن يقال: هذا من الرجم بالغيب، ولا يعلم ماذا يكون في المستقبل إلا الله -تعالى-.
وأما قوله: وحاشا أن يأتي بها رسول الله لأمته.
فجوابه من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبلغ عن الله -تعالى- كما قال -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه متعددة أنه أخبر أمته بخروج المهدي في آخر الزمان، كما أخبرهم بغير ذلك مما كان فيما مضى وما سيكون في المستقبل من أشراط الساعة وغيرها، وما يكون بعد قيام الساعة، وكل ما ثبت عنه فإنه يجب الإيمان به؛ لقوله في الحديث الصحيح: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» رواه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. فأما مقابلة أخباره الثابتة عنه ..............................................