الخلافة والإمارة وذكرت أيضًا ما ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" وفي التفسير أيضًا أن حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنهما- فيه بشارة بوجود اثني عشرة خليفة صالحًا يقيم الحق، قال: "والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره"، فليراجع كلام ابن كثير ففيه كفاية في الرد على ابن محمود (?).
وأما قوله: والحق أن حديث جابر بن سمرة في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال هذا الدين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة» ينبغي أن يحمل على الواقع الملموس والمشاهد بالأسماع والأبصار، وذلك في حمله على حكام المسلمين .... إلى قوله: وهو مجهول في عالم الغيب.
فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن يقال: ما عبَّر به ابن محمود عن الواقع فيما مضى بأنه ملموس ومشاهد بالأسماع والأبصار فهو كلام غير معقول؛ لأن الواقع في الماضي إنما يعبر عنه بالعلم، ولا يعبر عنه باللمس ولا بالمشاهدة؛ لأن اللمس والمسَّ إنما يكون بمباشرة اليد أو غيرها من الأعضاء لجسم آخر من غير حائل، قال الله -تعالى-: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ}، وقال -تعالى-: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} الآية، وقال -تعالى-: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} الآية، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لماعز: «لعلك قبَّلت أو لمست»، وقال في حديث آخر: «ومن مس الحصا فقد لغا»، وقال الشاعر:
لَمست بكفي كفه أطلب الغنى
ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
وأما المشاهدة بالأبصار فإنما تكون للشيء الحاضر الذي تمكن مشاهدته.
وأما المشاهدة بالأسماع فغير معقول ولا يقول ذلك عاقل؛ لأن الآذان إنما جعلت للسمع لا للمشاهدة، قال الله -تعالى-: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}، وقال -تعالى-: ِ {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}.