النبوة لتحصيل الأغراض الدنيوية، فكما لا يقول عاقل إن دعوى الدجالين للنبوة تقدح في نبوة الأنبياء وتؤثر فيها، فكذلك لا يقول عاقل إن دعوى المُدَّعين للمهدية كذبًا وزورًا تقدح في الأحاديث الثابتة في المهدي، وتجعلها من قبيل الموضوعات.
ومما أوقع البلبلة في عقول بعض العوام تأليف ابن محمود في إنكار المهدي ومجازفته في رد الأحاديث الثابتة فيه، وقد قال الله -تعالى-: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}.
وأما قوله: وهذا كله من جرَّاء نظرية خرافية، هي نظرية المهدي، وهي نظرية لا تتفق مع سنة الله في خلقه، ولا تتفق مع العقل الصحيح السليم.
فجوابه: أن يقال: إن خروج المهدي في آخر الزمان ثابت بخبر الصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه-، وقد قال الله -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. وليس ذلك من قبيل النظريات والأفكار كما زعم ذلك ابن محمود تقليدًا لأحمد أمين، ولا من قبيل الخرافات كما زعم ذلك ابن محمود أيضًا، وقد قال الله -تعالى-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وإذا كان هذا الوعيد الشديد لمن خالف أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكيف بمن جعل الأحاديث الثابتة عنه من قبيل النظريات والخرافات؟ وقد ذكرت أقوال بعض العلماء في التشديد على الذين يردون الأحاديث الثابتة، وأن من فعل ذلك فهو متهم على الإسلام، وقد صرح بعضهم بتكفير من فعل ذلك، فليراجع ذلك في أول الكتاب (?).
وأما قوله: وهي نظرية لا تتفق مع سنة الله في خلقه ولا تتفق مع العقل الصحيح السليم.
فجوابه: أن يقال: قد جاء في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- الذي تقدم ذكره في أول الكتاب (?) أن المهدي يقسم بين الناس فيئهم، ويعمل فيهم بسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، وأن الإسلام يلقي بجرانه إلى الأرض. وجاء فيما رواه علي، وابن مسعود، وأبو سعيد -رضي الله عنهم- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المهدي يملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا (?)، وهذا وما جاء في حديث أم سلمة ..............................................................