رشيد رضا فقال في صفحة (499) من الجزء التاسع من تفسير المنار: "وأما التعارض في أحاديث المهدي فهو أقوى وأظهر، والجمع بين الروايات فيه أعسر، والمنكرون لها أكثر، والشبهة فيها أظهر، ولذلك لم يعتد الشيخان بشيء من رواياتها في صحيحيهما"، وأما أحمد أمين فذكر في صفحة (238) من الجزء الثالث من كتابه ضحى الإسلام أن المهدي وُضِعت فيه الأحاديث المختلفة، قال: "ولم يرو البخاري ومسلم شيئًا من أحاديث المهدي، مما يدل على عدم صحتها عندهما". انتهى.

فهذا ما قرره رشيد رضا وأحمد أمين في إنكار خروج المهدي، وزعم ابن محمود أنه تحقيق وتدقيق وتمحيص وتصحيح، وهو في الحقيقة من الاستخفاف بالأحاديث الثابتة في غير الصحيحين وقلة المبالاة بها، ولو تركت الأحاديث الثابتة التي لم يخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما لترك من السنة شيء كثير.

وقد تقدم الجواب عما زعمه رشيد رضا من التعارض بين الأحاديث الواردة في المهدي، مع الكلام على قول ابن محمود في صفحة (6): ومنها تناقض هذه الأحاديث وتعارضها في موضوعها، فليراجع هناك (?).

وتقدم أيضًا الجواب عن قول رشيد رضا وأحمد أمين، أن البخاري ومسلمًا لم يرويا شيئًا من أحاديث المهدي، وأن ذلك يدل على عدم صحتها عندهما، فليراجع ذلك مع الكلام على قول ابن محمود في صفحة (6)، ومنها أن هذه الأحاديث لم يأخذها البخاري ومسلم (?).

وأما قوله: مع العلم أنها على فرض صحتها لا تعلق لها بعقيدة الدين.

فجوابه: أن يقال: كل ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قد وقع فيما مضى من الزمان، أو أخبر أنه سيقع بعده إلى قيام الساعة، وما سيكون بعد قيامها إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وما يكون بعد ذلك، فالإيمان به واجب، وذلك من تحقيق الشهادة بالرسالة، وقد قال الله -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مِنِّي دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله». وهذا الحديث من جوامع الكلم، فيدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أنباء الغيب؛ ومنها خروج المهدي في آخر الزمان، فمن لم يؤمن ................................................................

طور بواسطة نورين ميديا © 2015