وأول من توسع في تضعيف أحاديث المهدي عبد الرحمن بن خلدون، وزاد في التوسع حتى حكم على بعض الصحاح والحسان بالضعف، وتبعه بعض العصريين الذين يُحِّكمون أفكارهم في الأحاديث، فيصححون ما وافق أفكارهم ويضعفون ما خالفها، وإذا كانت الأحاديث التي تخالف أفكارهم ثابتة الأسانيد ولا مطعن فيها جعلوها من وضع الزنادقة أو من دسائس كعب الأحبار ووهب بن منبه أو غيرهما، ولو لم يكن لأحد منهم علاقة بتلك الأحاديث، وهكذا فعلوا في أحاديث المهدي، فزعم ابن محمود تقليدًا لسعد محمد حسن أنها من وضع عبد الله بن سبأ، وزعم غيره أنها من وضع غيره من الزنادقة، وليس مع هؤلاء ما يستندون إليه سوى الدعاوي المجردة عن الدليل.
وأما قوله: منهم الدارقطني والذهبي.
فجوابه: أن يقال: هذا مما زاده ابن محمود في كلام محمد فريد وجدي، ولم يبين ذلك، بل أوهم أنه من كلام محمد فريد، وهذا عمل غير مُرضٍ؛ لأنه ينافي الأمانة، ولو فعل مثل هذا الفعل أحد في زمان شعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، أو في زمان أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، لقالوا فيه أعظم قول، وربما ألحقوه بغياث بن إبراهيم النخعي وأضرابه ممن لا تقبل أحاديثهم ولا يعتد بأقوالهم.
فأما الدارقطني، فما رأيت له كلامًا في أحاديث المهدي، ولا رأيت أحدًا من العلماء ذكر ذلك عنه، وإنا نطالب ابن محمود أن يذكر الكتاب الذي وجد فيه كلام الدارقطني إن كان صادقًا، وأن يذكر الصفحة التي ذكر فيها ذلك من الكتاب، حتى يبرأ من عهدة النقل.
وأما الذهبي، فكلامه صريح في الرد على ابن محمود، قال في كتابه "المنتقى من منهاج الاعتدال" ما نصه: "الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي صحيحة، رواها أحمد وأبو داود والترمذي، منها حديث ابن مسعود مرفوعًا: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا». وأخرجه أبو داود والترمذي من حديث أم سلمة، وفيه: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة». ورواه أبو داود من طريق أبي سعيد وفيه: «يملك الأرض سبع سنين». وعن عليٍّ أنه نظر إلى الحسن فقال: "سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في ................................................